سيرياستيبس : تلعب التحويلات المالية من المغتربين دوراً كبيراً في دعم العوائل
لتأمين احتياجاتها المعيشية، كما أنها تعتبر أحد الأعمدة الأساسية التي
يعتمد عليها المصرف المركزي في استراتيجيته لدعم الاقتصاد الوطني، وخاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد. ارتباط بالوطن نائب
عميد كلية الاقتصاد في جامعة حماة الدكتور عبد الرحمن محمد أوضح أن هذه التحويلات التي تصل إلى مئات الملايين من الدولارات سنوياً،
تعكس ارتباط الجاليات السورية بالخارج ببلدهم الأم، سواء من الناحية
العاطفية أم الاقتصادية. ويرى أنه، ومع محاولات المصرف المركزي تضييق
الفجوة بين سعر الصرف الرسمي والسوق الموازية، وإطلاق سياسات نقدية جديدة
مثل إصدار العملة الجديدة، تبرز العديد من التساؤلات حول فعّالية هذه
السياسات وقدرتها على تحقيق الاستقرار النقدي والاقتصادي . وحول ما
جاء في تصريح حاكم مصرف سوريا المركزي حول التحويلات القادمة من الإمارات
والتي تتراوح بين 700 و800 مليون دولار سنوياً، يرى أستاذ الاقتصاد أنها
ليست بالضرورة تحويلات “عائلية” فقط. فمن المحتمل أن تتضمن هذه
التحويلات أموالاً مُخصصّة للاستثمار في العقارات أو المشاريع الصغيرة،
موضحاً أنه من الصعب تحديد نسبتها من إجمالي الحولات الواردة إلى البلاد
بدقة، ولكن بالنظر إلى حجم الجالية السورية في الإمارات، يمكن تقدير أن هذه
التحويلات تُشكّل نسبة كبيرة من إجمالي التحويلات، ربما تتراوح بين 20-30
بالمئة، مع الأخذ بعين الاعتبار التحويلات القادمة من دول أخرى مثل دول
الخليج وأوروبا. القنوات غير الرسمية أكثر جاذبية وبالنسبة
لتفضيل البعض بالتحويل عبر القنوات غير الرسمية (مثل الأصدقاء
والصرافين.)، فيرى محمد أن لذلك عدة أسباب منها . السرعة، فالتحويلات غير
الرسمية تصل في وقت قصير جداً مقارنة بالمصارف، إضافة إلى تجنُّب الرقابة،
فالمغتربون يُفضّلون تَجنّب التدقيق الحكومي أو المصرفي، كما يرغبون بسعر
الصرف الأفضل . فالسوق الموازية تُقدّم أسعار صرف أعلى من السوق الرسمية،
ما يجعلها أكثر جاذبية. استقرار هش يحتاج دعائم مستدامة وحول
ما جاء في كلام الحاكم حول تقارب سعر الصرف بين السوق الرسمية والسوق
الموازية، رجّح محمد أن يكون نتيجة لسياسات المصرف المركزي التي تهدف إلى
تقليل الفجوة وتشجيع التحويلات عبر القنوات الرسمية، مضيفاً: ولكن واقعية
هذا السعر تعتمد على مدى قدرة المركزي على توفير العملة الصعبة بشكل
مستدام، فإذا لم تتحسن مصادر العملة الصعبة، مثل الصادرات والاستثمارات
والمساعدات، فإن هذه السياسة قد تكون قصيرة الأجل وغير مستدامة، مما قد
يؤدي إلى عودة الفجوة بين السعرين. وعقّب على حديث الحاكم بالنسبة
لإصدار عملة جديدة بنجاح، بضرورة توافر عدة شروط أساسية، منها الاستقرار
السياسي لضمان بيئة آمنة ومستقرة، و الإصلاح المالي بتقليل عجز الموازنة
وضبط الإنفاق الحكومي، ووجود احتياطيات كافية من النقد الأجنبي لدعم العملة
الجديدة، والتحكّم في التضخم من خلال سياسات نقدية فعّالة، إضافة للثقة
الشعبية، فيجب أن يثق المواطنون في العملة الجديدة وفي قدرة الحكومة على
إدارة الاقتصاد. ورأى أنه من دون هذه الشروط، قد يتحول إصدار العملة الجديدة إلى مجرد “استبدال أصفار” من دون تحقيق أي تغيير حقيقي. الثقة أساس الاستقرار النقدي وشدّد
أستاذ الاقتصاد على أهمية الثقة كعامل أساسي في استقرار أي نظام نقدي، ومن
المنطقي أن تبدأ المؤسسات باستعادة الثقة من خلال سياسات شفّافة وفعّالة،
مما سيؤدي تدريجياً إلى تغيير سلوك الأفراد، إذ يرى أن توقع تغيير السلوك
الفردي في ظل بيئة نقدية غير مستقرة هو أمر غير واقعي، لأن الأفراد يتصرفون
بناءً على مصالحهم الشخصية لحماية مُدخراتهم. لذلك، يجب أن تكون الخطوة الأولى هي تحسين البيئة الاقتصادية والنقدية. من دون معالجة العملة الجديدة قد تعيد دورة الانهيار وبرأيه
أن إصدار عملة جديدة لن يكون كافياً لكبح جماح التضخم إذا لم تُعالج
أسبابه الجذرية، مثل عجز الموازنة بحيث يتم تقليله من خلال تحسين الإيرادات
وضبط الإنفاق، كما يجب دعم القطاعات الإنتاجية لزيادة العرض، و توفير
السلع الأساسية بأسعار معقولة، فإذا لم تُعالج هذه المشكلات، فإن إصدار
العملة الجديدة قد يؤدي إلى تكرار دورة الانهيار، مما يفاقم الأزمة بدلاً
من حلها. وختم بالقول: كرأي أكاديمي اقتصادي في ظل التحديات
الاقتصادية الكبيرة التي تواجه سوريا، تُعد التحويلات المالية من المغتربين
شريان حياة للاقتصاد الوطني. وإن نجاح السياسات النقدية، مثل تقارب
سعر الصرف وإصدار العملة الجديدة، يعتمد على معالجة الأسباب الجذرية
للأزمة الاقتصادية، واستعادة الثقة بين المواطنين والمؤسسات. كما أن تحقيق
الاستقرار النقدي والاقتصادي يتطلب جهوداً متكاملة تشمل الإصلاح السياسي
والمالي، وتعزيز الإنتاج، وضمان الشفافية، ما يضع البلاد على مسار التعافي
المستدام. الوطن
|