سيرياستيبس :
فأحد أكبر الأخطاء الإدارية الشائعة هو ترقية الموظف غير المناسب إلى منصب قيادي بناءً على مؤشرات أداء فنية أو رقمية فقط، دون تقييم حقيقي لمهاراته القيادية والإدارية. هذه الممارسة الخاطئة تكرّس ما يُعرف في علم الإدارة بمفارقة «بيتر» (The Peter Principle)، التي تقول: «كل موظف يُرقّى إلى مستوى عدم كفاءته».
بمعنى أوضح، أن الموظف يُكافأ على أدائه الجيد في المستوى الحالي، لا على قدرته على النجاح في المستوى الأعلى. والنتيجة أن المؤسسة تفقد موظفًا مميزًا في موقعه الأصلي، وتكسب مديرًا ضعيف الكفاءة في موقعه الجديد.
لننظر إلى أمثلة واقعية ومتكررة في بيئات العمل: مندوب مبيعات يحقق الأهداف لسنوات متتالية، فيُكافأ بالترقية إلى مدير مبيعات، فيفشل في الإدارة لأنه لم يُدرّب على التحفيز أو التخطيط أو قيادة الفرق. أو مصمم جرافيك مبدع في الإبداع الفني، يُرقّى ليقود فريقًا من المصممين، فيفقد شغفه ويُرهق من المهام الإدارية التي لا تمتّ لمواهبه بصلة. أو موظف خدمة عملاء بارع في التواصل، يُكلّف بإدارة الفريق، فيتراجع الأداء العام لأنه لا يمتلك أدوات التنظيم والمتابعة وتوزيع المهام.
كل هذه الحالات تكشف خطأً جوهريًا في فلسفة الترقيات، إذ تُبنى على الأداء الوظيفي لا على الاستعداد القيادي. تشير أبحاث مؤسسة Gallup إلى أن أكثر من 82% من تعيينات المديرين تتم بناءً على الأداء الفني لا على الجدارة القيادية، وهو ما يفسر ارتفاع معدلات الفشل الإداري والدوران الوظيفي في المستويات الإشرافية والقيادية المتوسطة.
من المنظور الاستراتيجي، لا يمكن بناء هيكل مؤسسي مستدام دون وجود نظام متكامل لتأهيل وترقية القيادات المحتملة (Leadership Pipeline) مدعوم بخطط إحلال وظيفي ممنهجة (Succession Planning)، يقوم على معايير علمية دقيقة تشمل التفكير الاستراتيجي، اتخاذ القرار، إدارة الوقت، حل الصراعات، وبناء فرق عمل عالية الإنتاجية.
المهارة التقنية هي نقطة انطلاق، لكنها ليست تذكرة عبور إلى القيادة. فالمناصب الإدارية تحتاج إلى عقلٍ يخطط، لا يدٍ تنفذ فقط. ولهذا فإن التدرج الإداري يجب أن يكون مصحوبًا ببرامج تطوير قيادي (Leadership Development Programs) تُؤهل المرشحين قبل منحهم المناصب، لا بعد فشلهم فيها.
الإدارات الذكية لا تكرم المبدع بترقيته إلى ما لا يجيد، بل تكرمه بتهيئته لما سيحتاج أن يجيده. هذه هي جوهر الإدارة الحديثة القائمة على الكفاءة (Competency-Based Management).
المقولة الشهيرة لمارشال جولدسمث: «ما أوصلك إلى هنا لن يوصلك إلى هناك»، ليست مجرد عبارة تحفيزية، بل قاعدة استراتيجية لإدارة التطور المهني. فالنجاح في المهمة السابقة لا يعني الجاهزية للمهمة التالية، تمامًا كما أن سرعة السباح لا تؤهله لقيادة فريق سباحة دون تدريب على القيادة.
الترقيات الذكية تُبنى على التوازن بين الأداء الفني والقدرة القيادية، أما الترقيات العشوائية فتنقل المؤسسة من مرحلة الكفاءة إلى مرحلة الفوضى المقنّعة.
إن إصلاح منظومة الترقيات ليس ترفًا إداريًا، بل ضرورة لضمان استدامة الأداء وتحقيق العدالة التنظيمية. فالمؤسسة الناجحة تضع كل فرد في الموقع الذي يخدم قدراته ويعظّم إنتاجيته، لأن القيادة ليست جائزة للمجتهدين، بل مسؤولية للمؤهلين.
المؤسسات التي تخلط بين الكفاءة الفنية والقيادية، تُربّي الفشل دون أن تدري.
الدكتور. عبـد المعيـــن مفتـــاح
|