ما أكثر ما تريد هذه الحكومة تنفيذه ولكن هل تستطيع ؟  
سورية الجميلة RSS خدمة   Last Update:28/03/2024 | SYR: 21:03 | 28/03/2024
الأرشيف اتصل بنا التحرير
TopBanner_OGE

 قرية دير ماما: حريرها مهدّد بالفناء ؟
09/02/2020      


سيرياستيبس :

فضح الحبُ سرّ الصينيين الذي ظل مخبّأً طيلة ثلاثة آلاف عام، بشأن دودة القز. تقول الأسطورة إن أميرة صينية أحبّت أميراً هندياً، وكانت تستعد للزواج به. سرقت الأميرة العروس كمية من بيوض دودة القز، ووضعتها في كيس قطني خبّأته في شعرها الطويل، وحملته إلى بلاد زوجها. هكذا، بدأ السر بالانتشار، إلى أن وصل حوض البحر الأبيض المتوسط، وسوريا على وجه الخصوص، في العام 555 ميلادي. اليوم، يبدو أن مهنة تربية دودة القز، لنسج خيوط الحرير الطبيعية، مهددة بالاندثار في سورية


أولادي يقولون لي: ما فائدة هذا المتحف؟ لو وضعنا فيه ماعزاً وشربنا من حليبه، أليس أفضل من ذلك؟». بهذه الكلمات بدأ صاحب متحف الحرير الطبيعي، في قرية دير ماما، محمد سعود، وأحد مربّي دودة القز، حديثه عن هذه المهنة. تعتبر دير ماما (التابعة لمنطقة مصياف، في محافظة حماة)، أحد المراكز الأساسية لتربية دودة القز، وصناعة الحرير الطبيعي في سوريا. مع بداية تسعينيات القرن الماضي، وصل إنتاج القرية من الشرانق التي تستخدم في صناعة الحرير إلى 11 طناً، واستمر الوضع كذلك حتى بداية الحرب في البلاد، لينخفض الرقم انخفاضاً كبيراً.

«بذور الحرب» الرديئة

تمر عملية تربية دودة القز وإنتاج الحرير الطبيعي بمراحل عديدة، في خلال الفترة الممتدة بين الأول من نيسان ومنتصف أيار، وفقاً لما تشرحه المربية سعاد حسن، لـ«الأخبار». توضح حسن أن دورة الإنتاج تبدأ بـ«البذرة»، لتفقس البيوض خلال أسبوع، ثم «الخضراء»، حين يصبح لون الدودة أخضر، إثر التغذي على ورق التوت. تلي ذلك مرحلة «النقشة» التي يكبر فيها حجم الدودة، بعد أن تتغذى على التوت أكثر، ثم «الحمراء»، ويصل فيها طول الدودة إلى حوالى 8 سنتم، وقطر جسمها إلى 1سنتم. بعدها، يكتمل نمو الدودة، لتتوقف عن الأكل، وتستعد لنسج الغلاف الخارجي للشرنقة، على عيدان من نبات الشيح، معدّة مسبّقاً لهذا الأمر، وتُكوِّن بذلك الشرنقة. تضيف حسن «بعد أيام تنتهي الدودة من غزل الشرنقة، ثم تتحول إلى فراشة، وتبدأ مرحلةُ سحب الخيوط، عبر الحرفيّ الذي يدعى: الحلّال». بعدها «توضع الخيوط على النول، لغزلها ونسجها، من أجل الحصول على منتجات الحرير، مثل الشالات والألبسة بأنواعها المختلفة». في ما مضى، كانت البذور تأتي من فرنسا وإيطاليا واليابان والصين إلى دير ماما، إلا أن هذا الأمر تغيّر مع بداية الحرب، ما أدى إلى توقف العمل في هذه المهنة نهائياً مدة خمس سنوات.


إثر مطالبات كثيرة من الأهالي، دارت عجلة تربية دودة القز من جديد في القرية، بعد أن قدمت وزارة الزراعة السورية بذاراً محلية مستولدةً في منطقة «وادي قنديل» في ريف اللاذقية. لكن محمد سعود يصف تلك البذور بـ«الرديئة». ويوضح أن «علبة البذور المحلية تعطي فقط خمسة عشر كيلو غراماً من الشرانق، إلا أنها تكون غير سليمة، شأنها في ذلك شأن الخيوط الناتجة». ويضيف «أما علبة البذور المستوردة، فتعطي خمسةً وخمسين كيلوغراماً، بنوعية جيدة».

مهنة مُهدّدة

يشير محمد سعود، إلى أن «مهنة تربية دودة القز باتت اليوم مهددة بالانقراض، بعد مئات السنين على وجودها في القرية». ويضيف «يعمل في المهنة اليوم بضع عائلات فقط»، ويعزو ذلك إلى «ضعف المردود المادي، ورداءة البذور، وتراجع عدد أشجار التوت التي تتغذى عليها الديدان، إضافة إلى عدم وجود أي أنشطة لتسويق المنتج، وغياب الدعم من الحكومة السورية.

دأب أولاد «شيخ كار حرفة الحرير» على لومه بسبب تمسّكه بالمهنة

سعود، وهو حاصل على شهادة «شيخ كار حرفة الحرير» (من اتحاد الحرفييّن السورييّن)، يقول «لو لم أكن أحب هذه المهنة، وأعمل فيها منذ خمسين سنة، لما حافظت عليها». ويضيف «للحرير جذور في حياتنا. تشرّبت المهنة منذ صغري، وما زلنا نحتفظ بها. جميع أولادي تعلموا المهنة بكل تفاصيلها». رغم ذلك، دأب أولاد الرجل على لومه بسبب تمسّكه بالمهنة، والمتحف، وهم يرون في استغلال المكان، لغايات أخرى، أمراً ضرورياً. يرفض المربّي كلام أبنائه، رغم تكدّس منتجات الحرير في متحفه، من دون أن تباع. انخفضت نسبة المبيعات بشدة، في ظل الظروف الأمنية والاقتصادية التي فرضتها الحرب، فضلاً عن انقطاع توافد السياح الذين كانوا يأتون عن طريق معارف المربين، ويشترون الحرير «رغبة في دعم العاملين فيه».

«دعم حكومي» بالكلام فقط!

قام مسؤولون كثر بزيارات متفرقة إلى قرية دير ماما، ومتحف الحرير الطبيعي فيها. كان من بينهم وزير الزراعة، ووزير السياحة، وغيرهما. يقول بعض المربين إنّ المسؤولين حرصوا على تشجيعهم ــ كلاميّاً ــ على مواصلة العمل في هذه المهنة. لكن «من دون تقديم الدعم اللازم للنهوض بها». في الوقت الراهن، يُشترى الكيلو الواحد من الشرانق بـ2000 ليرة سوريّة (ما يعادل دولارين تقريباً). ويعدّ هذا الثمن بخساً، مقارنةً بالجهود التي يبذلها المربّون، وبالأوضاع المعيشية في سوريا.


شارك المربّون في «معرض دمشق الدولي» بنسختيه الأخيرتين، من دون أن يحققوا فائدة مباشرة، إذ «لم يشتر أحد منتجات الحرير». يكرّر المربّون مطلباً أساسيّاً، وهو «وجوب تنبّه الحكومة السورية، والمنظمات الدولية، إلى ضرورة دعم هذه المهنة، بغية الحفاظ عليها من الاندثار، قبل أن يفوت الأوان». من بين العوامل الواجب توفيرها، للحفاظ على المهنة، يبرز «وجود بذار ذات جودة عالية، وإيجاد أنشطة لتسويق منتجات الحرير، ومساعدة المربين على تصريف بضائعهم بمبالغ مناسبة».

الاخبار - طارق ميري



شارك بالتعليق :

الاسم : 
التعليق:

طباعة هذا المقال طباعة هذا المقال طباعة هذا المقال أرسل إلى صديق