الليرة تحت الضغط : الغلاء وتراجع الثقة يعصفان بالسوريين
14/09/2025





سيرياستيبس :

في أسواق دمشق ودرعا وحلب، أصبح الحديث عن الليرة والدولار جزءاً من الحياة اليومية، إذ ناهز سعر صرف الدولار في السوق السوداء يوم السبت، نحو 11425 ليرة للشراء و11475 ليرة للبيع، بينما ارتفع سعر غرام الذهب عيار 21 إلى نحو 1332700 ليرة، وأونصة الذهب إلى 3645 دولاراً. محمد الأسعد، صاحب محل صرافة في دمشق، يقول لـ"العربي الجديد"، إن "الدولار لم يعد مجرد عملة، بل أصبح معياراً لكل شيء: المواد الغذائية، والإيجارات، وحتى الرواتب". وتؤكد هذه الملاحظات اليومية هشاشة الليرة السورية أمام ارتفاعات متسارعة للدولار والذهب، مما يجعل التخطيط الأسري صعباً للغاية.

وفي السياق، يؤكد الخبير الاقتصادي زياد عربش أن انخفاض كمية الأموال المتداولة بالليرة السورية وتجفيف السيولة يجعل من الصعب على الصرافين، سواء في الداخل أو الخارج، إحداث تقلبات كبيرة في سعر الدولار لتحقيق أرباح فورية، مشيراً إلى أن دورهم اليوم اقتصر على رفع السعر عبر استبدال الأموال بالليرة وتحويلها إلى الدولار، وهي سيولة سبق تجفيفها من السوق. وأوضح عربش لـ"العربي الجديد" أن زيادة الرواتب بنسبة 200%، وإعلان إصدار "النيو ليرة"، وزيادة عمليات استبدال الليرة بالدولار ساهمت في ضخ مزيد من السيولة بالليرة، إلا أن تثبيت سعر الدولار عند مستويات وهمية مثل 10 آلاف ليرة صعّب مهمة الحكومة القادمة في معالجة الأزمات الناتجة عن تراجع الإنتاج وزيادة البطالة.

كما أشار عربش إلى أن سعر صرف الدولار قبل التحرير كان يقارب 15 ألف ليرة، إلا أن فتح الأسواق أمام المستوردات البديلة عن المنتج الوطني مع جمارك منخفضة أدى إلى تدمير جزء من الاقتصاد، وتوقف العديد من المصانع، وارتفاع البطالة، وتضاعف المستوردات، وفي ظاهرة غير منطقية، انخفض السعر إلى 7500 ليرة بدلاً من أن يرتفع إلى نحو 19 ألف ليرة كما كان متوقعاً. وأضاف أن الانخفاض الوهمي جاء بالتزامن مع إغراق الأسواق بالبضائع التركية والسيارات المستعملة والدولارات المزورة، مما أدى إلى انهيار حقيقي في الإنتاج وظهور جيش من العاطلين عن العمل، مؤكداً أن السعر الحقيقي للدولار الذي يعكس القوة الشرائية لليرة السورية يراوح اليوم بين 17 ألفاً و20 ألف ليرة.

وعلى صعيد متصل، يرى الخبير الاقتصادي أحمد علي أن صعود الدولار لم يحدث مصادفة، بل هو نتيجة عوامل بنيوية متراكمة، تشمل انحسار السيولة النقدية بالليرة والدولار للأسر والأفراد وقطاع الأعمال، خاصة مع الانفتاح على الاستيراد وخفض الرسوم الجمركية، ما دفع الناس إلى شراء السيارات والأجهزة المستوردة، مستنزفاً المدخرات ومقلصاً النشاط الإنتاجي المحلي. كما ساهم الانخفاض النسبي في تحويلات السوريين من الخارج، رغم توسع قنوات الدفع بعد رفع العقوبات جزئياً، في زيادة الضغط على العملة المحلية، إضافة إلى الزيادة الأخيرة في الرواتب وتصريحات مصرف سورية المركزي عن طباعة عملة جديدة.

ويشير الخبير الاقتصادي  إلى أن ارتفاع الدولار هو انعكاس لأزمة ثقة متراكمة في الليرة، وليست مجرد نتائج ظرفية، وأن الحل طويل المدى يتطلب سياسات نقدية متوازنة، وتعزيز الإنتاج المحلي، ودعم الصادرات، ومراقبة السوق الموازي، لكي تستعيد الليرة قيمتها وثقة المواطنين بها. ويؤكد أن أي استقرار قصير المدى سيكون هشّاً إذا لم تُعالَج العوامل البنيوية الاقتصادية.

في ريف دمشق، يقول شفيق العبد الله "أبو يوسف"، تاجر مواد غذائية لـ "العربي الجديد"، إن "الأسعار ترتفع يومياً. كلما جلبنا بضاعة جديدة، وجدنا أن سعرها قد زاد بسبب ارتفاع الدولار. المواطنون لا يستطيعون الشراء كما في السابق". أما في حلب، فيؤكد عماد المصطفى "أبو محمود"، صراف في السوق السوداء، لـ"العربي الجديد"، أن "الطلب على الدولار مرتفع جداً. الناس يفضلون الاحتفاظ بالدولار خوفاً من تدهور قيمة الليرة. حتى التجار أصبحوا يتعاملون بالدولار في معاملاتهم".

الموظف سليم الموسى يعاني ثبات راتبه بالليرة أمام ارتفاع الأسعار، ويقول لـ"العربي الجديد": "كل شهر أرى أن ما أملكه من النقود يفقد جزءاً من قيمته أمام الدولار. كل شيء أصبح أغلى، من الخبز إلى الكهرباء وحتى التنقل". ورانيا سليق، ربة منزل، تضيف لـ"العربي الجديد" أن "شراء الذهب أصبح حلماً بعيد المنال. الأسعار تتغير كل ساعة، والليرة تنهار يومياً أمام الدولار. كيف يمكن للأسرة أن تخطط لمستقبل أولادها في ظل هذه الارتفاعات المستمرة؟

العربي الجديد



المصدر:
http://mail.syriasteps.com/index.php?d=126&id=202913

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc