تحذيرات الشرع تهزّ المشهد.. هل تنجح سوريا في محاربة الفساد
18/11/2025
سيرياستيبس :
قبل أقل من عام، سقط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وتولت إدارة جديدة مقاليد السلطة في البلاد. في وقت كانت هذه الحكومة تأمل في إغلاق صفحة سنوات من الاستبداد، وجدت نفسها تواجه تحديات ضخمة بسبب الفساد المستشري ونهب مقدرات الدولة. وسط هذه الأجواء، تثار التساؤلات حول قدرة الحكومة الجديدة على كبح جماح الفساد، الذي طال مؤسسات الدولة لسنوات طويلة.
كشف فساد كبير في مؤسسات الدولة
في خطوة غير مسبوقة، كشفت تحقيقات أجرتها جهات رقابية سورية عن انتهاكات واسعة في القطاع الحكومي على يد مسؤولين كبار في النظام السابق. هؤلاء المسؤولون متهمون بإساءة استخدام السلطة، التورط في قضايا رشوة، وإهدار الأموال العامة. وفقًا لتقرير الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، فقد بلغ حجم الضرر الناجم عن الفساد ما يقارب نصف مليار دولار، شملت قطاعات حيوية مثل الطاقة والثروة المعدنية والخدمات.
وفي الوقت الذي تجري فيه التحقيقات بناءً على وثائق وأدلة، تسعى الحكومة السورية الجديدة لتفكيك شبكة الفساد التي خلفها النظام السابق، وتتبع أصول المسؤولين المرتبطين به. وقد قدرت وزارة الخارجية الأمريكية حجم الأموال التي اختلسها النظام بين مليارين إلى مليارين ونصف دولار.
تحذيرات من الفساد في السلطة الجديدة
في خطوة مفاجئة، أثار الرئيس السوري أحمد الشرع الجدل عندما أشار إلى شبهة “إثراء غير مشروع” في صفوف بعض الشخصيات المقربة من الحكومة الجديدة. وفي اجتماع غير رسمي في مدينة إدلب، حذر الشرع من مغبة الوقوع في فخ “إغراءات السلطة”، داعيًا الحاضرين إلى ضرورة تجنب أي شكل من أشكال الفساد واستغلال المناصب للحصول على مكاسب غير مشروعة.
الشرع أشار إلى ضرورة تغيير الثقافة الاستثمارية التي أرساها النظام السابق، مؤكدًا أنه لن يتسامح مع أي شبهة فساد داخل مؤسسات الدولة.
تحولات في مكافحة الفساد
مراقبون اعتبروا أن تصريحات الرئيس الشرع تشير إلى وجود حالات فساد ضمن دائرة السلطة الجديدة، وهو ما دفعه لتحذير رفاق الثورة من الانزلاق في طرق مماثلة لما كان عليه النظام البائد. بينما تأمل الحكومة الجديدة في بناء دولة قائمة على مبدأ الشفافية والانضباط الإداري، تسعى إلى تشكيل نظام رقابي صارم يضمن المحاسبة والمساءلة.
يُذكر أن قانون العقوبات السوري يعاقب بالسجن مدة تصل إلى 10 سنوات على جرائم الرشوة، اختلاس المال العام، والإثراء غير المشروع. ورغم ذلك، يبقى السؤال الأهم: هل تستطيع الحكومة الجديدة منع عودة الفساد إلى الساحة السياسية والإدارية في سوريا؟
التحديات الاقتصادية والسياسية
وفي مقابلة مع الخبير الاقتصادي عبد الستار دمشقية، حذر من أن تزايد حالات الإثراء غير المشروع في دائرة السلطة قد يؤدي إلى تقويض جهود الحكومة الجديدة في محاربة الفساد. وأكد أن سوريا لا تستطيع تحمل المزيد من الفساد في هذه المرحلة الحرجة، التي تشهد فيها البلاد تحديات سياسية واقتصادية وأمنية كبيرة.
من جهته، أشار الخبير الاقتصادي والمصرفي إبراهيم نافع قوشجي إلى أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة ضد شخصيات مقربة من السلطة تمثل تحولًا نوعيًا في مكافحة الفساد، ما يعكس إرادة سياسية حقيقية لبناء دولة مؤسساتية لا تترك مجالًا لأي شخص فوق القانون. نجاح هذه التحركات، وفقًا له، سيسهم في استقرار الاقتصاد السوري ويؤسس لشرعية سياسية قائمة على العدالة والمساءلة.
إرث ثقيل من الفساد
بعد انهيار نظام الأسد، تسلمت الحكومة السورية الجديدة دولة “منهارة” ينخر الفساد في جميع مفاصلها. وزير الاقتصاد السوري نضال الشعار وصف ما وجده عند وصوله إلى دمشق بأنه “مشهد صادم”، مشيرًا إلى أن حجم الخراب الناتج عن فساد النظام السابق فاق جميع التوقعات.
وفي إطار مكافحة هذا الفساد، شكلت الحكومة السورية أكثر من 80 لجنة تحقيق متخصصة للكشف عن ملفات فساد تورط فيها مسؤولون سابقون ورجال أعمال مقربون من الأسد. هذه اللجان تراقب الإنفاق الحكومي والإيرادات العامة وتدقق في مشاريع استثمارية لضمان الشفافية وعدم وقوع هدر للموارد.
المؤسسات العامة
والفساد المستشري
الباحث محمد البقاعي أشار في دراسة له إلى أن الفساد كان أداة أساسية في النظام السابق لتنفيذ سياساته. واستخدمت الحكومة السابقة الفساد لشراء ولاء النخب الحاكمة والأحزاب، وهو ما أدى إلى تكريس ثقافة إدارية تعتمد على المحسوبية وعدم الحفاظ على موارد الدولة.
الخبير الاقتصادي قوشجي أضاف أن الفساد في عهد الأسد لم يكن مجرد انحرافات فردية، بل كان سياسة ممنهجة استخدمها النظام للسيطرة على البلاد. وقد تداخل الفساد مع السياسة والاقتصاد والأمن، مما جعل مؤسسات الدولة خاضعة لشبكات مصلحة خاصة أدت إلى تقويض ثقة الشعب بالقانون.
تهديد الفساد للمرحلة الانتقالية
وفقًا لتقييمات شبكة مكافحة الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP)، فإن الفساد المستشري في عهد الأسد لا يزال يشكل تهديدًا كبيرًا للمرحلة الانتقالية في سوريا. الدراسات تشير إلى أن فشل الحكومة الجديدة في مواجهة الجريمة الاقتصادية قد يعرض جهودها لتحقيق العدالة والمساءلة للخطر. ويجب على الحكومة استعادة الأصول التي تم الاستيلاء عليها بشكل غير مشروع من قبل المسؤولين السابقين وتكثيف التعاون الدولي في هذا المجال.
الحاجة إلى إصلاحات جذرية
الخبير الاقتصادي أحمد سلامة شدد على أن مكافحة الفساد تتطلب إصلاحات جذرية على كافة الأصعدة. وقد أكد أن النظام الجديد يجب أن يتبنى نهجًا وقائيًا يتجاوز رد الفعل، مشيرًا إلى ضرورة خلق بيئة تحكمها الشفافية، الثقة، وسيادة القانون. كما دعا إلى إنشاء نظام وطني للنزاهة يشمل تعزيز سلطات إنفاذ القانون، ضمان الشفافية في صنع القرار، وتوسيع المساءلة.
وتوافق منظمة الشفافية الدولية مع هذا الرأي، مؤكدة أن الإبلاغ عن الفساد والمخالفات هو أحد الطرق الأكثر فعالية للكشف عن الفساد ومنع ممارساته في وقت مبكر. وفي هذا السياق، دعت المنظمة إلى توفير حماية قانونية للمبلغين عن المخالفات وتوفير بيئة آمنة تضمن عدم ملاحقتهم.
الجزيرة
المصدر:
http://mail.syriasteps.com/index.php?d=131&id=203643