العودة بعد 40 عاماً: البنك الدولي يعلن مصافحة دافئة مع سوريا
12/12/2025
سيرياستيبس :
قطع محمد يسر برنية، وزير المالية السوري، الطريق على أي هواجس يمكن أن تعتري السوريين في علاقة بلدهم مع البنك الدولي، لجهة اشتراطات التمويل التقليدية التي يتوجس خبراء التنمية عادة من انعكاساتها الاجتماعية في بلدان العالم الثالث، بناءً على قراءات وتجارب سابقة. خصوصاً إن لم تحظ تمويلات مؤسسات الإقراض الدولية بإدارة كفؤة عندما يتعلق الأمر بالقروض التمويلية.
ولفت الوزير برنيّة في بيان عقب التوقيع على الوثيقة الأخيرة لمشروع إصلاح خطوط الربط الكهربائي بين سوريا والبنك الدولي، إلى أن المشروع ممول من خلال منحة وليس بقرض، وهناك مشاريع أخرى يجري التحضير لها مع البنك الدولي، في قطاعات مختلفة ستمول بنفس الطريقة وسيتم الإعلان عنها خلال العام.
تحول في مسار الإعمار
الحدث بمجمله ينطوي على انعطافة حقيقية، إن كان فيما يتعلق بعلاقة سوريا مع البنك الدولي، أو بخصوص حساسية قطاع الكهرباء السوري ومنظومة التوليد والتوزيع المتهالكة، التي تبدو بأمسّ الحاجة للاستدراك لأنها مرتكز تنموي أساس.
فالخبير الاقتصادي والتنموي الدكتور إيهاب اسمندر يرى أن الإعلان عن مشروع إصلاح خطوط الربط الكهربائي (SEEP) الممول بمنحة (وليس قرض) من البنك الدولي، يشير إلى تحوّل مهم في مسار إعادة الإعمار في سوريا.
ويعتبر اسمندر في حديثه مع "المدن" أن الإعلان عن المشروع يكتسب خصوصية كبيرة في واقع صعب، دمار هائل للشبكة الكهربائية السورية، حيث انخفضت القدرة الإنتاجية بنحو 50% منذ عام 2011، مما أدى لعجز يومي كبير، حيث يبلغ الطلب حوالي 9000 ميغاواط بينما لا يتجاوز الإنتاج 2600 ميغاواط.
إنعاش الاقتصاد الكلّي
إضافة إلى الجانب الفني ثمة منعكسات مرتقبة على مستوى الاقتصاد الكلي، وبهذا الشأن يلفت اسمندر إلى استقرار قطاع الكهرباء هو شرط أساسي لأي انتعاش اقتصادي، وتنعكس آثاره على عدة مستويات:
يقلل الربط الإقليمي واستيراد الكهرباء من الضغط لاستثمار أموال في مشاريع توليد باهظة التكلفة، ويساعد في خفض فاتورة استيراد الوقود الأحفوري المستخدم في التوليد المحلي.
يعد توفر الكهرباء بشكل مستقر عامل حاسم لإعادة تشغيل المصانع والمشاريع التجارية والزراعية (كل زيادة بنسبة 10% في إمدادات الكهرباء في الاقتصادات النامية يمكن أن تؤدي إلى زيادة في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.5% إلى 2.5%).
يسهم استقرار الخدمة الكهربائية بشكل مباشر في تحسين خدمات التعليم والصحة والمياه.
توفير ظروف أفضل لعودة النازحين واللاجئين.
إشارة بليغة
في بُعد آخر، ينظر الخبير اسمندر إلى جانب لا بد من التطرق إليه وهو أن عودة البنك الدولي لتمويل مشروع في سوريا، بعد حوالي 40 عاماً يعتبر إشارة مهمة، واعتراف بحصول تغيير نوعي في البلاد، وهذا بحد ذاته يزيد الثقة بمستقبل الأوضاع في سوريا.
ويُثمّن التمويل كمنحة وليس قرضاً باعتباره: يخفف العبء المالي عن الموازنة العامة ويجنب زيادة الديون، وكون التمويل منحة وليس قرضاً يعني أن سوريا لن تتحمل التزامات سداد مستقبلية أو فوائد، مما يخفف الضغط على موازنة الدولة. كما يعني أن البنك الدولي يرى في إصلاح الكهرباء استثماراً أساسياً للتعافي الاقتصادي والإنساني العاجل.
لكن من وجهة نظر الخبير هذا لا يعني غياب أي شروط، فالمشروع سيُنفذ وفق معايير البنك الدولي، مع إشراف على التنفيذ والجوانب المالية والبيئية، وأي تجاوز قد يعرض التمويل المستقبلي للخطر.
إذاً المنحة تبدد المخاوف من أعباء الديون، لكنها لا تلغي اشتراطات الحوكمة والشفافية.
بُعد إنساني
ويشير اسمندر إلى سياق منح البنك الدولي: تعامل البنك كحالة طارئة لدولة خارجة من صراع، تهدف لتثبيت أساسيات التعافي الإنساني والاقتصادي، ويوضح أن البنك الدولي يتعامل مع سوريا كدولة في مرحلة ما بعد صراع، حيث إصلاح الكهرباء حاجة إنسانية واقتصادية ملحة لتحسين الظروف المعيشية ودعم عودة النازحين.
· كون هذا أول مشروع للبنك في سوريا منذ نحو 40 عاماً يجعل منه علامة مهمة على عودة التعاون مع المؤسسات المالية الدولية، وقد يمهد الطريق لمزيد من الدعم.
دور أكبر منتظر
ويرى الخبير التنموي أنه يمكن للمؤسسات الدولية لعب دور الوسيط والميسر في المشاريع الإقليمية المعقدة (مثل الربط الكهربائي الثلاثي مع الأردن ولبنان)، ومساعدة الأطراف على تذليل العقبات السياسية والفنية والمالية.
فبالإضافة للبنى المادية، يحتاج القطاع لإصلاحات في السياسات والتشريعات ودعم فني لبناء استراتيجيات وخطط استثمارية مستدامة ورفع الكفاءة الإدارية.
ثم تسهيل وتنسيق المشاريع العابرة للحدود التي تعزز أمن الطاقة للدول المتجاورة.
وتقديم المساعدة الفنية ووضع معايير للإدارة والشفافية لضمان كفاءة القطاع على المدى الطويل.
ويختم اسمندر بأن المنحة بحد ذاتها خطوة إيجابية لكنها أولية، ونجاحها مرهون بتنفيذها السليم في بيئة صعبة، ومدى استكمالها بمشاريع توليد ضخمة وإصلاحات مؤسسية
سلسلة ترتيبات
من جهته الخبير الاقتصادي وأستاذ اقتصاديات الطاقة في جامعة دمشق د. زياد عربش، يلفت إلى أن المشروع أُقر في حزيران 2025، كأول مشروع من نوعه في سوريا منذ نحو 40 عامًا، ويهدف إلى إعادة تأهيل خطوط نقل الطاقة المتضررة خلال الحرب لتحسين الاستقرار الشبكي واستيراد الكهرباء.
وبين عربش في حديثه مع "المدن" أنه تم التوجه خلال زيارات وفد البنك الدولي لسورية، واجتماعاته مع المعنيين في قطاع الكهرباء في سورية،وخبراء مستقلين، نحو تخفيض الفاقد واعتماد هندسة الشبكات للتخفيف من للفاقد الفني للكهرباء.
ويضيف: يُشرف على تنفيذ هذا المشروع المؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء، مع دعم فني من شركة استشارية دولية لإدارة المشروع، والامتثال لمعايير البنك الدولي في السلامة والبيئة.
استثمار بلا ندم
ويرى أستاذ اقتصاديات الطاقة أن المشروع يدعم فعلاً جهود وزارة الطاقة السورية في التعافي الاقتصادي، ويُعتبر استثماراً "بدون ندم" لاعادة ربط سورية بشبكات دول لمنطقة مرة أخرى وعلى أسس سليمة.
فالدعم المالي كتمويل هو منحة من الجمعية الدولية للتنمية (IDA)، وليس قرضاً، كما تجري مفاوضات لمنح إضافية تصل إلى مليار دولار على ثلاث سنوات في قطاعات متنوعة، مع إعلانات متوقعة مستقبلاً.
وكان البنك الدولي قد أقر المنحة في حزيران الماضي (مع شريحة اخرى مماثلة) بهدف دعم الخدمات الأساسية والمعيشة، وسط جهود إعادة الإعمار بعد سنوات من العزلة السورية.
حقيقة الفاقد
يـذكر أن الشبكة الكهربائية في سوريا تعاني من نوعين من الفاقد (الضياعات) التي تؤثر على استدامة التيار.
فاقد فني نتيجة قدم الشبكات والأعطال التي تمتد لمسافات طويلة، كما تعاني المنظومة من قدم التجهيزات في محطات ومراكز التحويل.
ويُقدر الفاقد الفني بأكثر من 17%، يضاف إليه فاقد كبير في محطات التوليد نتيجة انتهاء العمر الفني للمجموعات، وانخفاض المردود إلى نسب متدنية جداً تقل عن 28%، رغم أن مردودها التصميمي كان 54% للعنفات الغازية و40% للعنفات البخارية.
أما النوع الثاني من الفاقد فهو فاقد الاستجرار غير المشروع (السرقة) حيث يشكل فاقد الاستجرار غير المشروع ما يزيد على 15% رغم أن التصريحات الرسمية كانت تقلل من آثار هذه المشكلة، وتعتبر كامل الفاقد الفني والاستجرار غير المشروع لا يزيد على 22%، فيما الفنيون يقدرون الفاقد بأكثر من 30 %.
المدن
المصدر:
http://mail.syriasteps.com/index.php?d=126&id=203918