سافر.. أنت لست شجرة!
27/01/2020



شام الحريري

جميعهم يدعموننا، جميعهم يشجعوننا، تتساءلون من نحن ومن جميعهم؟

 نحن الفئة التي توشك على الانقراض، أذكر أنهم كانوا يلقبوننا بفئة الشباب، جيل المستقبل، بناة الأجيال.. نحن.

أما هم؟ فأولئك الذين لم يكلوا عن فعل المستحيل ليجعلوننا ننسى أننا تلك الفئة المفعمة بالحياة المشرقة لبناء ذاتها ومستقبلها، نحن اليوم مفعمون بكل شيء وبأي شيء سوى الحياة.

أحلامنا الكبرى أن نمتلك منزلاً بحديقة خلفية مليئة بالورود، سيارة جميلة بلون زاهٍ، بغض النظر عن سنة إنتاجها، وظيفة مرموقة في شركة كبرى تتناسب مع تخصصنا الجامعي، هاتف محمول مليء برسائل شريكٍ محبٍ، نحلم بارتياد أفخم المطاعم، شراء أجمل الملابس، نحلم باقتناء ما يحلو لنا من رفاهيات الحياة، أحلامنا كثيرة، وممارسة اليوغا أو القفز الحر أو الباليه من ضمنها وكذلك تعلم العزف على البيانو أو الكمان أو العود.. نحلم بحذاء رياضي من "أديداس"، نحلم بتذوق التراميسو والتشيز كيك والعصير الاستوائي، نحلم بحياة تشبه الحياة فقط.

 اليوم، معظمنا قد تخرج من الجامعة ولا يزال ضيفاً في منزل أهله أو مقيماً في غرفة بسكن مشترك، واستعضنا عن حديقة الورود الخلفية بأصيص صغير على النافذة زرعنا فيه صباراً حزيناً. استبدلنا السيارة الزاهية بمقعد جانبي غير مريح في السرفيس، أو بالوقوف محشورين بباصات النقل الداخلي. تخلينا عن الوظيفة المرموقة طوعاً واستبدلناها بوظيفة مؤقتة لا تمت لتخصصاتنا الجامعية بصلة. هواتفنا المحمولة مليئة برسائل لعروض السيريتل والـ mtn التي لا تلزمنا، نفكر ألف مرة قبل أن نرتاد مطاعم البرامكة وساروجة، فحتى هذه المطاعم تؤرق جيوبنا، نشتري ملابسنا من البالة وفي أحسن الأحوال في موسم التنزيلات، لا نعلم عن رفاهيات الحياة شيئاً، فنحن نلهث خلف أساسياتها منذ نعومة أظفارنا. نمارس رياضة الجري وراء لقمة العيش، رياضة القفز الحر من الباصات، رياضة الرقص والارتجاف من البرد في الشتاء. لا تغرينا الآلات الموسيقية لتعلمها. ننتعل أحذيتنا التي أتعبها المسير لنقف على طابور السكر المدعوم لنحلي به مرارة أيامنا. فنعيش حياة لا تشبه الحياة!.

 أما هم فلم يتركونا نكابد آلام الحياة لوحدنا، جمعيات أهلية شبابية، منظمات ومؤتمرات، حوارات ولقاءات، ندوات مطولة بشعارات رنانة، رفعوها لتمكين الشباب ودعمهم ودفعهم نحو العمل. ونحن لا ننكر أن هذه الجمعيات قد حققت أهدافها، فهي مكنتنا من كراهية عمر الشباب بكل ضمير مرتاح، ودعمت قرارنا في الهجرة، ودفعتنا بشدة نحو الخارج!.

 وبالرغم من سوء تقديرنا وفهمنا الخاطئ لأهدافها، فإن هذه الجمعيات والمنظمات ستدعمنا في جميع الأحوال، حتى لو قررنا الهجرة، ستدعمنا بعبارة "سافر أنت لست شجرة"، فنرد عليها سريعاً كالأبناء العاقين: "ما معنا مصاري

 

 



المصدر:
http://mail.syriasteps.com/index.php?d=127&id=179087

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc