التاريخ في خطر..
05/03/2020




هل من سبيل لإنقاذه؟ حمود: تراثنا العريق له طابع عالمي رسمياً.. ودماره يعني دمار التراث العالمي

ميليا إسبر:

بحسرة وحرقة قلب يقول المدير العام للآثار والمتاحف الدكتور محمود حمود إنه لا يمكن لكل أموال الدنيا أو خبراء العالم تعويض ما تم فقده من تراثنا الوطني بفعل الحرب الإرهابية على بلدنا، وقد تبين أننا كنا بحاجة إلى جهود أكبر للحفاظ على هذا التراث العظيم.

لم تسلم حتى الحجارة من ظلم الحرب على بلدنا، تلك الحرب التي دمرت الحجر قبل البشر، تراث سورية وإرثها الحضاري دمرا بشكل كبير، أكثر من 800 مدينة أثرية وألفي كنيسة لقيت حتفها، بينما اختفت معالم بعض المدن الأثرية بشكل شبه كامل كمدينة حلب القديمة، وبعض التلال الأثرية تحولت إلى حقل لتدريب ورمي الأسلحة لـ «الدواعش» كما حصل في تل إيبلا في مدينة إدلب.

حجم التنقيبات غير الشرعية في المواقع الأثرية كبير جداً، أخطر ما تعرضت له الآثار منذ سنة وحتى تاريخه اعتداءات قوات الاحتلال التركية وعملائها في منطقة عفرين والتنقيب عن المواقع والتلال الأثرية وتدميرها باستخدام البلدوزرات والآلات الثقيلة.

في هذا الحوار مع مدير الآثار والمتاحف يخبرنا بواقع الآثار في بلدنا وحجم الأضرار الممنهجة التي تعرضت لها.

تدمير 800 مدينة أثرية

مدير عام الآثار والمتاحف الدكتور محمود حمود أوضح أن كل المواقع الأثرية التي وقعت تحت سيطرة الإرهابيين كانت عرضة للنهب والتدمير إذ تظهر التقارير التي أعدتها مديرية الآثار أنه بعد زيارة هذه المواقع عقب تحريرها من قبل الجيش العربي السوري حجم التنقيبات غير الشرعية التي أدت إلى دمار الكثير من الأبنية الأثرية، ومنها على سبيل المثال الكتلة الكلسية الممتدة من إدلب إلى حدود تركيا شمالاً إذ يوجد نحو 800 مدينة أثرية ضمنها ألفا كنيسة أغلبها تعرض إلى الدمار، ونهب الحجارة و المنحوتات الموجودة فيها .

تدمي القلب

د: حمود ذكر أنّ الصور والوثائق القادمة من منطقة إدلب ولاسيما في معرة النعمان تدمي القلب إذ تعرضت إلى الكثير من الأذى، وأن خسائر إدلب كبيرة جداً، إذ إن المقتنيات في المتحف الوطني تقدر بعشرات الآلاف من القطع، منوهاً بأن مساحة كل موقع تتراوح ما بين 50- 60 هكتاراً.

برغم كل الضرر الذي تعرض له متحف معرة النعمان، فإن المديرية استطاعت المحافظة على القطع واللقى الأثرية، وتمكنوا من وضعها في أماكن آمنة، إذ نقلت إلى متحف حماة للحفاظ عليها وترميمها ومتابعتها منها: قطع الموزاييك التي تميز بها متحف معرة النعمان، وكذلك تعرض تل إيبلا للضرر نتيجة التنقيبات غير الشرعية إذ حفر الإرهابيون الأنفاق بحثاً عن كنوز ومقتنيات ولقى أثرية في ذلك الموقع. وحسبما أكده د: حمود فإنه إضافة إلى وجود حفر للدبابات والعربات المسلحة في ذلك الموقع استخدمها الإرهابيون كوسيلة تحصين وحماية لهم. مؤكداً وجود خنادق للتدريب، إذ تحول التل إلى حقل للتدريب ورمي للأسلحة المختلفة، ما ألحق الكثير من الأذى، مشيراً إلى وجود أضرار في عدد من الأبنية الأثرية في الموقع منها القصر الملكي، وكذلك تعرض تل آفس الذي يقع في شمال غرب سراقب وأيضاً المدن المنسية في جبل الزاوية لأضرار كبيرة وغيرها وتهدم الكثير من الأبنية وتم نقل حجارتها لبيعها واستخدامها في أعمال البناء، كما تم إنشاء أبنية حديثة في بعض المواقع الأثرية أدت إلى تشويه الأبنية الأثرية .

اختفت بشكل شبه كامل

بألم يتحدث مدير عام الآثار والمتاحف عن اختفاء معالم حلب الأثرية بشكل شبه كامل، حلب القديمة التي كانت تزهو بأوابدها وصروحها الأثرية العائدة إلى مختلف الحقب التاريخية، تعرضت الأوابد وأسواقها إلى انهيار ودمار شامل وفقدت الكثير من ملامحها الحضارية، مشيراً إلى وجود اهتمام من الدولة من حيث أعمال الترميم التي تجري على قدم وساق في حلب، وذلك بهدف إعادة الألق إليها، وقد تم بالتعاون مع مؤسسة الآغا خان ترميم سوق السقاطية، وحالياً هناك تعاون بين مؤسسة الآغا خان والأمانة السورية للتنمية لافتتاح مشروع لترميم سوق الحرير وخلال أشهر قليلة سيكون منجزاً بالكامل، إضافة إلى أعمال ترميم في الجامع الأموي وتنظيمه بوتائر جيدة.

الاعتداءات التركية

وعن الاعتداءات التركية قال د. حمود إن أخطر ما تتعرض له الآثار منذ سنة حتى الآن هو الاعتداءات التركية والتنقيبات غير الشرعية في منطقة عفرين وشمال سورية وذلك باستخدام البلدوزرات والآلات الثقيلة كما حصل في تل عين دارة وتل جنديرز، وموقع النبي هوري وغيرها من المواقع في منطقة عفرين، إضافة إلى أن المواقع في منطقة منبج والمواقع التي تم احتلالها مؤخراً سيكون مصيرها إذا طال الاحتلال التركي هو التنقيب بحثاً عن اللقى والكنوز. وأكد أن في القامشلي هناك ما لا يقل عن 70 موقعاً أثرياً تحت سيطرة الاحتلال التركي، ويتوقع تدمير هذه التلال الأثرية باعتبارها تشكل جزءاً من الهوية الحضارية السورية ووجودها في هذه الارض منذ آلاف السنين.

لم تسترد

مدير عام الآثار والمتاحف أكدّ أن المديرية لم تستعد أي قطعة أثرية من الخارج باستثناء بعض القطع التي أعادها لبنان الشقيق، كما إنّ بعض الأشخاص المغتربين الوطنيين ومنهم رجال الأعمال الذين يعيشون في ايطاليا ورومانيا وأميركا أعادوا بعض القطع أهمها قطعتان أثريتان هما بوابتان لمدفنين يعودان للعصر البيزنطي، مؤكداً أنّ الجيش العربي السوري أعاد 30 ألف قطعة أثرية من المواقع والمناطق التي تم تحريرها.

وعن الآثار التي تباع في الخارج قال د: حمود تم تشكيل مكتب استرداد القطع ومتابعتها وإقامة دعاوى وقضايا على كل من يثبت تورطه في المتاجرة بالآثار السورية، لافتاً إلى أنّ مديرية الآثار تخاطب دوماً الأنتربول الدولي وأيضاً المؤسسات الثقافية الدولية المعنية بهذا الشأن من أجل استعادة القطع الأثرية معرباً عن عدم تفاؤله بهذا الموضوع لأن الآثار التي تهرب ليس لدينا وثائق فيها تثبت أنها ملك لنا، وتالياً تصعب استعادتها لأنها ناتجة عن تنقيبات غير شرعية تخرج من الأرض مباشرة إلى الخارج، متوقعاً أنّ مئات الآلاف من القطع الأثرية على مستوى القطر تم تهريبها إلى الخارج.

تضافر جهود دولية

ولدى السؤال عن الفترة الزمنية التي نحتاجها لترميم آثارنا بعد انتهاء الحرب أجاب د: حمود إنّ الترميم يحتاج تضافر الجهود الدولية، ومن هنا كان الهدف من حضور مديرية الآثار والمتاحف في المحافل الدولية هو إيصال ما يعانيه التراث الوطني السوري الى العالم عبر المنظمات الدولية، مؤكداً أنه ليس بإمكان الحكومة السورية ولا مقدرات الشعب السوري وحدهما القيام بترميم المواقع والأبنية الأثرية لأنه مكلف جداً ويحتاج ميزانيات دولية، مشدداً على ضرورة قيام المنظمات الدولية المعنية وعلى رأسها اليونسكو بدعم سورية لإعادة ترميم ما تم تدميره.. مدير عام الآثار والمتاحف كشف أنه من المحال إعادة ترميم المباني الأثرية بشكل كامل لأنّ بعض المواقع أصبحت رماداً كما حدث في معبد بل، وتالياً من غير الممكن إعادة بنائه إلى ما كان عليه شكلها الحقيقي، مؤكداً أن أموال وخبراء العالم بأسره لا يمكنهما تعويض ما خسرناه من تراثنا الوطني العريق

لا تكفي

د: حمود أكدّ وجود تدخلات ومساعدات تقوم بها اليونسكو لكنها لا تكفي، مشيراً إلى أن الوقوف إلى جانب سورية لحماية آثارها يبقى رمزياً إذا لم يتم التدخل بقوة، وهذا ما أوضحته المديرية للكثير من المنظمات الدولية منذ أشهر إذ لا يكفي تدريب بعض الخبراء أو توثيق موقع هنا وآخر هناك، وإنما الموضوع يحتاج تدخلاً عاجلاً وسريعاً من أجل إنقاذ ما تبقى من المواقع الأثرية والبيئة التاريخية السورية بهدف حماية هذا التراث العالمي.

مدير عام الآثار والمتاحف بيّن أن تراثنا يخص العالم كله وليس سورية فقط، فمدينتا حلب و تدمر وأيضا المدن المنسية كلها مسجلة على قائمة التراث العالمي وتالياً دمارها يعني دماراً للتراث العالمي، لافتاً إلى أن كل المواقع الأثرية السورية كان من المفروض أن تسجل على قائمة التراث العالمي نظراً لأهميتها وتنوعها واستثنائيتها مؤكداً ضرورة دعم المديرية العامة للآثار والمتاحف لكي تتمكن من القيام بدورها في حماية هذا التراث.

اتفاقيات دولية

د: حمود أشار إلى توقيع عدة اتفاقيات مع دول ومنظمات دولية، إذ تم توقيع اتفاقية مع متحف عمان الوطني لإرسال 75 قطعة أثرية سورية منها بعض المنحوتات التدمرية للقيام بترميمها في عمان، كذلك تم توقيع اتفاقية مع متحف أرميتاج لترميم بعض القطع الأثرية، إضافة إلى تدريب بعض الكوادر السورية، لافتاً إلى وجود اتفاقية مع إحدى الشركات الروسية لترميم قوس النصر في تدمر، والانطلاق بعد ذلك لأماكن أخرى في تدمر أيضاً، مشيراً كذلك إلى وجود دعم من منظمة UNDB إضافة إلى منحة من الحكومة اليابانية تم خلالها إعادة افتتاح متحف حلب بعد ترميمه، وهناك أيضاً بعض المنح التي قدمتها اليونسكو لمشاريع مختلفة في قلعة الحصن – تدمر – وفي أحياء حلب – وبصرى الشام – إضافة إلى المشاريع التي تقوم بها المديرية العامة للآثار والمتاحف من ميزانيتها الخاصة في ترميم بعض القطع والأبنية الأثرية والقلاع التي تعرضت للدمار أو الأذى خلال الحرب، لافتاً إلى وجود اتفاقية تعاون ودعم من تشيكيا إذ أرسلت الكثير من المعدات والأجهزة و مواد الترميم وكل ما نحتاجه، إضافة إلى التعاون مع هنغاريا والصين أيضاً في هذا المجال، منوهاً بوجود معرض في الصين للآثار السورية، وأنه سوف يتم تجديد هذا المعرض وتوسيعه، وقد تم إرسال 180 قطعة أثرية من أجل عرضها في متحف بكين، مبيناً أن هذا الانفتاح على الكثير من الجهات الخارجية يصب في حماية تراث سورية الوطني.

مدير عام الآثار والمتاحف كشف أنّ الحرب بينت أننا كنا بحاجة إلى جهود أكبر للحفاظ على تراثنا العظيم، الذي هو عصارة فكر وجهد أجدادنا، موضحاً أنه في معرة النعمان ساهم المجتمع الأهلي في حماية الآثار، في حين إنه في مناطق أخرى غاب الانتماء الوطني عن بعض ضعاف النفوس الذين ساهموا في تخريب المواقع الأثرية، إذ قادوا العصابات الإرهابية إلى أماكن وجود الآثار بهدف تنقيبها ونهب محتوياتها.

إجراءات لترميم التراث

ويرى مدير الآثار أنه من أجل الترميم والحفاظ على ما تبقى من آثار سورية يجب أن تكون هناك استراتيجية وطنية لإيصال قيمة هذا التراث وأهميته إلى كل الناس، في المدارس – الجامعات – لكي يساهموا في الحفاظ على هذا التراث الذي تفتخر به الأمم كلها، حسبما قاله د: حمود: إنّ الأمم المتحضرة تنظر دائماً إلى تراثها نظرتها إلى أمنها القومي، وهذا أيضاً يحتاج الكثير من الجهد والتشبيك مع الكثير من الجهات الحكومية منوهاً بأهمية أن تملك المديرية العامة للآثار والمتاحف إمكانات مادية أكثر، موضحاً أن المديرية لا تستطيع القيام بواجبها في حماية هذا التراث وترميمه وإيصال قيمته إلى العالم أجمع بإمكاناتها المتواضعة، مشدداً على أن تتحول هذه المديرية إلى هيئة عامة للآثار والمتاحف تكون مستقلة وذات ميزانية خاصة بها، إضافة إلى ضرورة تطوير قانون الآثار والمتاحف علماً أنه جاهز منذ تسع سنوات، لذلك نأمل أن يصدر قريباً ليواكب القوانين العالمية، إذ إن استعادة القطع الأثرية تحتاج قانوناً معاصراً. وختم بالقول: نحتاج الكثير من الإجراءات لترميم التراث والحفاظ عليه، لكن في النهاية علينا التصرف وفق مقولة (لا يحك جلدك مثل ظفرك).



المصدر:
http://mail.syriasteps.com/index.php?d=134&id=180345

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc