يسيطر الفكر السلفي عليه ...المحتوى الرقمي العربي على الشبكة دون الـ 1%
15/06/2009



بقلم: حسن م يوسف

يشمل مصطلح المحتوى الرقمي كل معلومة متوفرة باللغة العربية بصيغة رقمية، أي كل ما يتم تداوله رقميا من المعلومات مقروءة أو مرئية أو مسموعة، بدءا مما تنشره الصحف والمجلات ومحطات الراديو والتلفزيون، مرورا بما تحتويه بنوك المعلومات ومراكز البحوث والمكتبات من فنون وآداب وعلوم، مرورا بشؤون الاقتصاد والمال والطب والصحة السياسية وانتهاء بأحوال الطقس.

تتسم العلاقة بين وسائل الإعلام والمؤسسات الثقافية، وبين صناعة المحتوى، بالازدواجية،  فوسائل الإعلام والمؤسسات الثقافية تعد بين أهم الجهات المنتجة للمحتوى الرقمي من ناحية / بحوث، مقالات، أخبار، أفلام، تحقيقات، أغاني، صور ..الخ/ كما تعد من أبرز الجهات المستهلكة للمحتوى من ناحية أخرى، وهذا يعني أن العلاقة بين وسائل الإعلام والمؤسسات الثقافية مركبة وتعمل في اتجاهات مختلفة.

ثمة أمر لابد من الإشارة إليه هو أن المحتوى العربي الرقمي يشبه الواقع العربي من حيث احتوائه على مكونات إيجابية من شأنها أن تساعد على تطوير الواقع وإغنائه وعلى مكونات أخرى من شأنها أن تشوش عملية التنمية وتبعدها عن أهدافها.

من المعروف أن اللغة الإنكليزية تتصدر بقية لغات العالم من حيث حصتها من المحتوى الرقمي فهي تغطي ما نسبته 68.4% من مجموع الصفحات المنشورة على الشبكة، تليها اللغة اليابانية، التي تبلغ حصتها من صفحات الإنترنت 5.9% ثم اللغة الألمانية بنسبة 5.8% فاللغة الصينية بنسبة 3.9 % واللغة الفرنسية بنسبة 3% ولغة الإسبانية بنسبة 2.4% واللغة الروسية بنسبة 1.9% تليها اللغة الإيطالية بنسبة 1.6% والبرتغالية بنسبة 1.4% والكورية بنسبة 1.3%.

صحيح ان الناطقين بالعربية يشكلون حوالي 5% من المجتمع البشري والصحيح أن اللغة العربية تعتبر إحدى اللغات الست المعتمدة في الأمم المتحدة كلغة عالمية، إلا انها لا ترد بين اللغات العالمية العشر ذات المحتوى الأعلى على الإنترنت، إذ لا تتجاوز نسبة المحتوى الرقمي العربي 0.16% من المحتوى الرقمي العالمي، وهذا الكم الضئيل من المحتوى يستأثر الفكر السلفي بقسم كبير منه، وتشغل مواقع التسلية والترفيه جل الباقي، مما يوزع المحتوى الرقمي العربي بين اتجاهين متناقضين:

تزمت لدرجة الجمود، وانفلات لدرجة الميوعة ونتيجة لهذا الخلل الخطير تغدو التكنولوجيا المتقدمة جزءا من آلية لتكريس التخلف.

استطيع القول من خلال الحالة السورية إن واقع وسائل الإعلام والمؤسسات الثقافية لا يساهم في تعزيز المحتوى العربي الرقمي فجل القائمين على الصحف لم يدركوا أهمية حفظ مواد صحفهم بالصيغة الإلكترونية إلا متأخرين ونظرا لعدم وجود مؤسسة للمحتوى الرقمي تعنى بتخزين واستثمار وتطوير ما يتم إنتاجه من محتوى في وسائل الإعلام والمؤسسات الثقافية، فقد تبددت ثروات لا تعوض من المحتوى خلال العقدين الماضيين، وقد قمتُ بعد عدة سنوات من دخول جريدة تشرين للعصر الرقمي بزيارة إلى مركز المعلومات القومي، لأفاجأ بأنه يؤرشف جريدة تشرين بالميكروفيلم، وهذه تقنية بالية ومتخلفة كما تعلمون!

حتى الآن لا يوجد أرشيف مركزي يعنى بالنسخ الإلكترونية من إصدارات جهات النشر المختلفة حتى في المؤسسات  والهيئات العامة، وقد انتبهت الهيئة العامة للكتاب لهذا الأمر مؤخرا، فبدأت تحتفظ بنسخ إلكترونية من الكتب التي تصدرها ولكنها تحفظها بصيغة PDF التي قد تطرح مشاكل مختلفة عند محاولة استعادتها كنص حي.

والحق أن موقع الموسوعة العربية على الإنترنت يعد مثالا واضحا على مدى غنى المحتوى المتوفر لدينا، كما يعد مثالا واضحا على فقر استثمارنا له، فموقع الموسوعة العربية التي كلفت سورية مبالغ هائلة ما يزال على الإنترنت فقيرا وباهتا، وهو يبيح للمستخدم فرصة الاطلاع على عينات محدودة من محتويات الموسوعة مما يتناقض مع عبارة "هدية سورية للشعب العربي من المحيط إلى الخليج"، التي تتهادى على شاشة الموقع باستمرار.

شهدت سورية خلال السنوات القليلة الماضية تزايدا كبيرا في نسبة مستخدمي الانترنت وصل إلى نسبة 10.4 من عدد السكان كما شهدت سورية تزايدا في عدد المواقع الإلكترونية بحيث بلغ عددها حاليا حوالي، 2550 موقعا نسبة المواقع الإخبارية منها 28% ونظرا لعدم وجود آلية لتقييس المحتوى الإعلامي نرى أن بعض هذه المواقع تفتقر للمصداقية ولا تلتزم بالمعايير المهنية وتعتمد على تسويق الإثارة التي غالبا ما تكون رخيصة.

في مواجهة هذا الواقع ثمة أسئلة تطرح نفسها بقوة:

إذا كان المحتوى هو المحرك الرئيس لاقتصاد المعرفة والداعم للتنمية الاجتماعية المستدامة فكيف يمكن للمحتوى الرقمي العربي أن يسهم في إزالة حالة سوء الفهم بين الشرق والغرب، خاصة وأن مساهمة العرب في الحضارة الإنسانية هي المساهمة الوحيدة التي لم تحدد بشكل نهائي حتى الآن، فالاختراعات والإنجازات العلمية العربية ما تزال تُنتحل وتنسب لغير أصحابها حتى في الموسوعات العالمية الكبرى؟

من المتفق عليه أن كفاءة المجتمعات باتت تقاس بمدى كفاءة شبكة اتصالات فكفاءة نظم الاتصالات باتت أهم مؤشر لقياس مدى جاهزية المجتمع لدخول عصر اقتصاد المعرفة، فما هو جدوى الحديث عن تطوير صناعة المحتوى إذا كانت البنية التحتية لدينا متخلفة؟؟

من المتفق عليه أن التعليم هو وقود مجتمع المعرفة بينما المعرفة هي محرك ذلك المجتمع، فهل يمكن تعزيز المحتوى الرقمي دون تعزيز التعليم؟؟ وما جدوى وجود محرك ممتاز لا يتوفر له الوقود اللازم؟؟

في ضوء ما سبق نرى أن تعزيز التعليم هو المنطلق الأول والأساس لرأب الفجوة الرقمية فهل يمكن تعزيز التعليم قبل التصدي لمشاكل اللغة العربية أولا، والسؤال الذي يلخص كل الأسئلة ما الجدوى من تطوير المحتوى العربي الرقمي دون تطوير الإناء الذي سيصب فيه ذلك المحتوى: أي اللغة؟؟

وهل يمكن تطوير لغة المحتوى في ظل هيمنة الفكر السلفي عليه؟؟



المصدر:
http://mail.syriasteps.com/index.php?d=160&id=252

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc