لماذا يبدد الأغنياء الجدد كل هذا المال .... السمسرة والرشاوى والفساد، عناوين خاضعة للبذخ الطفيلي والتميز الاجتماعي المعكوس
19/11/2006



سيرياستيبس ـ مروان درّاج
الحديث عن ظاهرة البذخ أو "البطر" الذي نواجه ونصادف أشكاله المختلفة والمتعددة في أوساط البرجوازية الجديدة أو الناشئة في المجتمع السوري، هذا الحديث ليس أمرا سهلا، مثلما يعتقد البعض، وفي لحظة عابرة ومتسرعة قد يعتقد هنا البعض، أن المبذخ هو الذي يملك المال، غير أن مثل هذا المفهوم ليس صحيحا في كثير من جوانبه، وإذا أردنا معرفة من هو المبذخ وماذا يعني البذخ بالنسبة له، فذلك لا يستوجب فقط سرد بعض الانطباعات وبعض مظاهر البذخ بلغة إنشائية ووصفية للحالات التي نسمع عنها أو نصادفها من خلال حياتنا اليومية، وإنما يتطلب الأمر البحث عن رؤية واضحة، مع استيعاب علمي ومنطقي لمنحى الطبيعة والبناء الاقتصادي والسياسي للبنى الفوقية والتحتية للمجتمع المراد الحديث عنه.
بداية هناك اسئلة عديدة لابد من طرحها لتحديد من هو المبذخ ولما يبذخ؟؟! أيضا هناك سؤال أساسي ومشروع يواجهنا خلال تحليلنا لهذا الموضوع، وهذا السؤال هو... هل عرفت الطبقات البرجوازية في المجتمعات الصناعية الماليكة لرؤوس الأموال المنتجة، البطر أو البذخ الذي نواجه ممارساته من خلال سلوكيات الأغنياء الجدد الذين كسبوا مئات ملايين الليرات وفي فترات زمنية قصيرة وبأساليب طفيلية؟!
بالاتكاء على النظريات الاجتماعية والاقتصادية قديما وحديثا، فإن الإجابة على السؤال الآنف الذكر ليست صعبة، لأننا لو أسقطنا ذات السؤال على البرجوازية التقليدية (الكلاسيكية) المحلية التي كانت ومازالت تملك الرسامل العملاقة والفلكية، لوجدنا أن هذه البرجوازية حافظت على ممارساتها وسلوكياتها لغاية الوقت الحاضر، وهي لا زالت تمارس ذات الطقوس الاجتماعية، وذات العادات والأخلاق، وإنما مع وجود بعض التبدلات التي تحاكي العصر، وما طرأ عليه من تحولات ظاهرة، مثلا لا زال هناك مئات أو آلاف من هؤلاء يسكنون منازلهم منذ عشرات السنين وفي أحياء شعبية أو شبه عادية، وغير محسوبة على الأحياء الجديدة التي شيدت في محيط المدن الكبرى مثل دمشق وحلب، وقد لا نبالغ لو قلنا أن البعض من هؤلاء لا يعرفون وإلى الآن السيارات الفارهة أو "الفيلات" ولا المزارع ولا السفر إلى الخارج بقصد السياحة، بينما العكس تماما بالنسبة للأغنياء الجدد أو البرجوازية الطفيلية الناشئة التي أثرت فجأة وساعدها على ذلك تفاقم سلوكيات وممارسات الفساد في العمل الاقتصادي أو في الأداء الإداري.
إذن كما قلت في بداية هذه المقالة، ليس بالضرورة أن يكون الباذخ هو من يملك المال، لأنه وحسب تاريخ البرجوازيات وخاصة البرجوازية التقليدية، فإن هذه الأخيرة لم تكن تاريخا يبحث عن التمايز الاجتماعي بنفس طريقة البرجوازية الطفيلية، التميز الذي كانت تطمح إلى تحقيقه البرجوازية التقليدية كان ومازال يتجسد من خلال وسائل الإنتاج والإنتاج كجودة وحضور ومنافسة وعلاقة تجارية ذات قيمة ومكانة، بمعنى أن سلطتهم الاقتصادية هي التمايز الحقيقي بالنسبة لهم، بينما البرجوازية الطفيلية تجد في البذخ والبطر الذي تعيشه إمكانية تحقيق التمايز الاجتماعي ولكن بشكل معكوس تماما ولا مجال للمقارنة على الإطلاق مع البرجوازية الأولى (الأغنياء الجدد).
وفي كل الأحوال لا نستطيع أن نعطي صورة واضحة أو قريبة من الوضوح عن البرجوازية الطفيلية الباذخة، إلا إذا نظرنا إليها من خلال مستويات متعددة يمكن إيجاز أبرزها على الشكل الآتي:

الإنتاج والاستهلاك:
إن البذخ كممارسة يومية من جانب البرجوازية الطفيلية، تكشف عن وجود مفارقات كبيرة بين الاستهلاك والإنتاج، فلو كان المبذر منتجا ويعرف معنى الإنتاج لما مارس البذخ، لأن معرفة الإنتاج يعني معرفة ساعات العمل والجهد المبذول، الفكري والعضلي الذي صرف من أجله، وبما أن البذخ أو "البطر" لا يعرف الإنتاج فإنه لا يحترم الجهد أصلا، وهو لا يعرف إلا الربح السريع تماما مثلما كان واقع حال تجار العقارات والسيارات في سورية.
لذلك نجد أن معظم هذه الشريحة هم من السماسرة أو المرتشين أو المهربين وما شابه ذلك، وحين أتينا على مثل تجارة العقارات والسيارات والأراضي، فليس ذلك إلا لأن هذا العمل كان ومازال في كثير من جوانبه عبارة عن سمسرة لا أكثر ولا أقل.
التراكم المالي:
المعروف أن كل إنتاج متطور يستوجب التراكم ( تراكم المال)، أو ما كان يسمى بالتراكم البدائي في مرحلة ما قبل الثورة البرجوازية، وبالتالي كان هذا التراكم أساسا لقيام الصناعة، أي الإنتاج الوطني وخلق مشاريع تخدم المجتمع بكافة مجالاته، بينما البذخ هو نفي للتراكم، بمعنى أن استعمال الأموال لإرضاء ذوات أنانية ومدعية ومتسلقة وليس من أجل خدمة الصالح العام، وبذلك من البديهي الاستنتاج، أن البذخ هو نفي ونقيض للمسؤولية الوطنية والاجتماعية والأخلاقية، وأيضا هو تعبير عن انحطاط، لأن البذخ هو عبارة عن إرهاق واستهلاك الطاقات البشرية والإمكانيات القائمة بلا غاية أو هدف، وبالتالي يكون البذخ عبارة عن احتقار للثروات الطبيعة والإنسانية، وأيضا شكل من أشكال السخرية بالطبقات الفقيرة التي تحد قوت يومها.

سلوك مشوه:
البذخ من الناحية النفسية هو تعبير مشوه و سلوكيات مشوه لشخصيات مشوهة ، لأن هذه الشخصيات على المستوى الفكري أو الثقافي أو الاجتماعي ليس لديها ما تميز به نفسها ، فتلجأ إلى البذخ أو البطر كوسيلة و خيار للتميز الاجتماعي ، و لهذا الحالة ، فإن التميز هو عبارة عن مرآة لنفوس فارغة، أي أن البذخ هو ممارسة لسلطة المال لدى أشخاص ليس لديهم أي سلطة اجتماعية بالمعنى الأخلاقي و المعنوي للكلمة. وهؤلاء بدون هذه النقود هم لا شيء . ولو كان هؤلاء تربوا أو تلقوا تربية بشكل صحيح في المجتمع وفي مجتمع سليم، ولو كان كسبهم للمال بشكل منطقي و مبرر و سليم ، لما قاموا بمثل هذه الممارسات المرضية. إذن العمل و الإنتاج هو أساس التطور الصحيح للشخصية ، و بما أن ظاهرة البذخ مرآة لتفسخ المجتمع و انحلاله، فإن هذه الشخصيات تنكر أو تجهل كل المعايير الجمالية و الثقافية، فيصبح عندهم الكم هو معيار الجمال . بينما تميز الإنسان هو بإنتاجه بالمعنى الايجابي كما ذكرت ، و في ظل مجتمع صحيح ، بينما في حالة الانحطاط و ظروف إنتاج البرجوازية الطفيلية ، يصبح البذخ هو وسيلة الجمال الاجتماعي ، أي الشهرة التي يتم الوصول إليها من خلال البذخ ، و في وسبيل تحقيق الشهرة تكثر الاحتفالات الباذخة.
و الولائم ، أو محاولة الزواج من عدة نساء ، أو الزواج من نساء ذات انتماء إلى عوائل ذات شهرة ،و بدلا من شراء جهاز (موبايل) واحد مثلا يقومون بشراء أكثر من جهاز و يعتمدون على تبديل هذه الأجهزة بين وقت و آخر. و بدلا من شراء جهاز تلفزيون واحد تجد في بيوتهم ثلاثة أو أربعة أجهزة ، و بدلا من شراء سيارة سيارات و بدلا من شقة شقق و بدلا من مزرعة مزارع الخ.
و من المعروف عن هؤلاء أيضا .. الإصرار في التبرع لبناء مساجد مثلا، ليس بغرض الدين ، أو بناء مدرسة ليس بغرض نشر العلم؛ أو بناء مشفى ليس لمعالجة المرضى، و إنما جميعها بهدف الجمال الاجتماعي، و باعتقادنا أن هناك أمثلة أكثر مما تعد أو تحصى على كلامنا هذا..،بينما المجتمعات التي تسير بشكل صحيح نجد أن الكيف هو معيار الجمال.
ببساطة شديدة عين القول : أنه و عن طريق سريان مجموعة فاسدة من القيم في المجتمع مثل ، الرشوة ؟؟؟ السمسرة، التقرب من منفذين.. الخ ، تتكون طبقة أو ما يشبه الطبقة، وهذه الطبقة (البرجوازية، الطفيلية ، أو الأغنياء الجدد) هي شيء هجين. بمعنى هي عبارة عن، نفوذ+قيم سابقة، لكن هذه الطبقة لا تستطيع أن تمارس قيمها السابقة بسبب وضعها الجديد، كما أنها لا تستطيع أن تمارس معايير البرجوازية التقليدية أو الكلاسيكية، لأنها أساسا غير قادرة على اختلاس أو سرقة أصالة عشرات السنين ...
إذن هذه الطبقة، هي شيء هجين اجتماعيا، و هذه الهجانة تؤسس لثقافة هذه الطبقة و ثقافتها سهلا جدا و ليست بحاجة إلى شرح أو الاستفاضة،لأن ثقافتها و باختصار شديد ممارسة الفراغ. و لكن كيف ؟! القمار، السكر، الرهان، الولائم ، السفر الدائم، اللباس الفاخر، العطور الثمينة...الخ! وعملياً لو نظرنا إلى الحل هذه الممارسات لوجدنا أنها تمثل الفراغ الحقيقي. وهنا نذكر، أن الولائم شبه الدائمة،هي عنصر أساسي من عناصر ثقافة هذه الطبقة . و الولائم تلعب دورا هاما في استمرار المصلحة اليومية لهذه الطبقة. و الفراغ الذي تحدثنا عنه هو شكل ممارساتها لحياتها اليومية لأنها تبحث عن أفق جديد و مسؤول الاستثمار أموالها، و إنما تفتش عن وقت براق تلهو به.. أي أن حياتها هو نمط البذخ، بذخ نقودها التي كسبتها بشكل سريع و غير مشروع ودون بذا أي جهد عضلي أو ذهني ..و ما أكثر هؤلاء بعد أن اتسع ؟؟؟ إلى حدود غير مسبوقة ولا معقولة .!



المصدر:
http://mail.syriasteps.com/index.php?d=160&id=62

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc