سيرياستيبس : سوق تجتمع فيه كلّ السلع والبضائع التموينية والاستهلاكية التي
تحتاجها الأسرة السورية بأسعار التكلفة أو المتضمّنة ربحاً بسيطاً بنسب
قليلة وهوامش محدّدة، تؤسّسه الفعاليات الاقتصادية والتجارية في كلّ محافظة
وتعرض فيه بضائع من المنتج للمستهلك مباشرة على فترات ومواسم متقطعة
تخفيفاً للضغوط والأعباء المادية، وتنشيطا للحركة الاقتصادية.
فكرة جميلة بأهداف مشروعة استمرت على مدار السنوات الماضية وخلال فترة
الأزمة عبر مسميات مختلفة (مهرجان- سوق وتسوق- سوق خيري)، فهل نجحت هذه
الأسواق بمسمياتها المختلفة في كسر الوساطة التجارية، وهل ساهمت فعاليتها
الاقتصادية بالتعاون مع مؤسسات الدولة وفروع مؤسسة السورية للتجارة في
تقديم حالة مرضية للمستهلك، لجهة تخفيف الضغوط الاقتصادية التي يعيشها.
ثمّة أسئلة تطرح نفسها هنا: هل هي بالفعل أسواق خيرية في ظل دعوات
المؤسسات الدينية للتكافل الاجتماعي والتخفيف عن المواطنين من قبل التجار
بالبيع دون ربح ضمن فترات محدّدة، أين نجحت وأين أخفقت؟.
سوق إنعاشي
ربما يكون سوق طرطوس الخيري الذي افتتح مؤخراً في المحافظة مثالاً جيداً
لبحث واقع تلك الأسواق، فالسوق بدا كمحاولة جدية لإنعاش الأسواق المتعبة
في المحافظة، وكسر جمودها في ظل تغول اقتصادي مخيف، وارتفاعات مستمرة
بأسعار السلع، وقدرة شرائية محدودة عند معظم المواطنين حيث افتتح السوق في
صالة طرطوس القديمة وتزامناً مع شهر رمضان المبارك، شارك فيه نحو ٤٠ شركة
من مختلف المحافظات السورية بعد أن دعت المحافظة لإقامته بالتعاون مع غرفة
التجارة والصناعة، ومباركة مديرية الأوقاف التي تدعو لاستمرار أصحاب
الفعاليات التجارية للتعاون والتكافل مع الناس في ظلّ الظروف الصعبة،
ويستمر السوق حتى نهاية شهر رمضان المبارك بنسبة تخفيضات تتراوح بين ١٥- ٢٠
بالمئة، حيث يقام هذا المهرجان بحسب القائمين عليه للسنة الثالثة على
التوالي.
إجماع مع تحفظ
ومع عدة زيارات ميدانية للسوق والوقوف على واقع وهامش الأسعار
والمنتجات، يجمع معظم من قابلناهم على إيجابية الفكرة التي تقدم في السوق
الخيري، فالأسعار تنخفض فعلاً عن السوق لكن بنسب بسيطة جداً، حيث يؤكد معتز
زائر للسوق وأحد سكان حي الغمقة أن الفروقات البسيطة لا تغري المستهلك،
فعلبة المتة مثلاً تباع في المهرجان بسعر ٧٠٠٠ ليرة أما سعرها قرب منزلي
٧٥٠٠ ومثلها باقي المنتجات، مضيفاً: إذا كنت سأقصد المهرجان مثلاً لشراء
أشياء بسيطة فالتوفير الذي سأحصل عليه سأدفعه ثمن سيارة أجرة أو بنزين في
حال امتلكت سيارة، والغاية المرجوة بزيارة المهرجان لن نحصل عليها إلا عند
شراء كميات كبيرة من المنتجات والاحتياجات، ويشكو يائل محمد زائر أيضاً من
زوار السوق من نقص منتجات عدة كاللحوم بأنواعها والتي كنا نأمل أن نجدها
بأسعار مخفضة، في حين يتساءل المواطن عز الدين عن سبب تسمية السوق بالخيري،
فهل المقصود البيع دون ربح؟، فإذا كان هذا فالربح موجود وهناك بضائع تباع
بأسعار لا تختلف بأسعارها عن المحال المجاورة، فبعض أصناف التمور التي يصل
سعر الكيلو منها إلى٤٠ ألفاً، ومثلها الأجبان والألبان التي لا تختلف عن
أسعار السوق بشيء فأين الخيرية بالموضوع؟!.
“خيرية” متعذرة
أصحاب الفعاليات التجارية الموجودون ضمن السوق أكدوا أن الربح موجود،
ولكن بهامش قليل، وبحسب قولهم هناك أجور نقل وهناك مصاريف لا يمكن للتاجر
تحملها وحده، والتاجر ليس جمعية خيرية حتى وإن شارك في سوق يحمل هذه
التسمية، ومن وجهة نظر تاجر آخر فإن البيع بسعر التكلفة يجعل من هذه
الأسواق فرصة أمام بعض المضاربين لسحب منتجات الأسواق واحتكارها كما يحدث
بالنسبة لمنتجات معينة.
وقال محمد الأحمد (مشارك بالمهرجان بمنتجات للأحذية والألبسة) إن نسبة
الحسومات التي يقدمها تصل إلى ٢٥%، والنسبة ذاتها يقدمها صاحب محل لبيع
الأجبان والألبان والمعلبات والحليب المجفف، وتكاد تكون نسبة الحسم هذه
واحدة في محال السوق، وبالنتيجة نجد كلّ المشاركين يتحدثون عن أرباح بسيطة،
فالهدف كما بدا لنا ربحي وليس ترويجياً أو خيرياً، وإلا لما كان هناك
منافسة للمشاركة وحجز فرصة مع العارضين في هذا المهرجان، حيث كان ملاحظاً
تكرار في أسماء الفعاليات المشاركة رغم حديث القائمين على تلك المهرجانات
عن حرصهم على تنوع وتعدّد الأسماء التجارية وتبديلها، وهذا ما بيّنه محمد
عمر عضو غرفة تجارة دمشق وأحد المشرفين على السوق الخيري.
مشاركات استعراضية
خلال جولتنا الميدانية لم يتردّد البعض من المتسوقين في إطلاق صفة
“المشاركات الاستعراضية” لبعض الفعاليات التجارية والمؤسسات الرسمية،
فبعضهم قال: إن جناح السورية للتجارة كان استعراضياً، حيث يرى المنتقدون أن
الأسعار فيه لا تختلف عن سعر الصالات بشيء، وحتى التوزيع المباشر لبعض
المواد يكون في اليوم الأول فقط حيث تختفي تلك المواد بسرعة ويتمّ سحبها!.
محمود صقر مدير فرع السورية للتجارة بطرطوس قال: إن المؤسّسة تشارك
بمنتجات مختلفة وبعض الخضار والفواكه ذات الإنتاج المحلي وبأسعار معروفة
للجميع، مؤكداً بيع جعبات المياه بشكل مباشر للمستهلك، وكذلك بعض المواد
المقنّنة عبر البطاقة الذكية، وأن أسعار المؤسسة هي بالأصل أقل من أسعار
السوق لذا لا يمكن تخفيضها أكثر.
المشكلة في الدخل
في المقابل ورغم حديث نديم علوش مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك
بطرطوس عن كون الجولة في السوق الخيري إيجابية، لكن لم ينفِ أن نسب
التخفيضات غير كافية حتى يشعر المواطن بالفرق، مؤكداً استمرار العمل على
تخفيض الأسعار ليلمس الزوار تحسناً إضافياً في الفترات المقبلة، في حين يرى
شعبان كناج عضو مجلس المحافظة أن هذه الأسواق إيجابية بالمجمل، لكن
المشكلة ليست بالأسواق باختلاف تسمياتها، بل بدخل المواطن المحدود والقدرة
الشرائية المنخفضة، لذا المطلوب أولاً وأخيراً تحسين الدخل لتحقق هذه
الأسواق غايتها كأي مبادرة الغرض من إنشائها وتوظيفها تنشيط الحركة
الاقتصادية.
محمد محمود
|