في كل يوم وقبل الذهاب للعمل، أقوم بجولة تفقدية في الأسواق في رحلة لشراء مستلزمات الطعام على اعتبار أنني رب الأسرة والمسؤول الأول عن الإنفاق، في حين تتولى زوجتي تحويل ما أتسوقه إلى أطباق مسقعة وبطاطا وبامية ومحشي وسلطة تأكل أصابعك وراءها.
في الشهر الماضي اكتشفت أن أسعار الخيار والبندورة (الطماطم) ومستلزمات السلطة تخرج عن حدود المعقول والممكن والمسموح، قالوا لي: إن السلطة بالذات تأثرت بموجة البرد الأخيرة التي حدثت في الشتاء الفائت، فقفزت أسعارها إلى ثلاثة أضعاف السعر المعتاد، فاستغنينا تماماً عن السلطة واعتبرناها من الكماليات التي لا داعي لها، ثم إن (الفشخرة) والتشبّه بالأغنياء وعلية القوم لا داعي لها في مثل هذه الأيام، ومنذ أسبوعين وجدت أن أسعار الكوسا والفاصولياء والبطاطا (نار يا حبيبي نار)، وتقصيت عن الأسباب فقالوا لي: إن التجار هم السبب وإنهم يتلاعبون بالأسعار، وإن الحكومة سوف تتدخل حتماً لضبط الأسواق، وسوف تعود التسعيرة الجبرية التي تجبر التجار على الالتزام بتحديد سعر معقول للخضار والفواكه، فاقتنعت بوجهة النظر العاقلة وأصدرت قراراً عائلياً بالاستغناء عن الخضار تماماً، حتى تتعدل الأحوال وتعود الأسعار لسابق عهدها.
ولأن الله للمنكسرين جابر، ولأن الدنيا ليست سوداء على الدوام، ولأني من الصنف المتفائل الذي ينظر دائماً لنصف الكوب الممتلئ؛ فقد سعدت كثيراً وأنا أرى أسعار بعض الفاكهة أرخص من أسعار البصل، توكلت على الله وقد استغنيت عن الخضار التقليدية، وكنت قد استغنيت في الماضي عن اللحم الصريح واكتفيت بشراء اللحم المشروم والمستورد، ولقد استمرت أسعار الخضار في عنادها فلم أرضخ أو أستسلم لها، ورفعت اللاءات الثلاث في وجه باعة الخضار: لا صلح، لا تفاهم، لا استسلام، لكني دعوت المسؤولين في الرقابة على الأسواق للتحرك السريع لإنقاذ الفقراء من أصحاب السحت الحرام مصاصي دماء الناس، بالتشديد ومحاسبة الذين يتصيدون في الماء العكر، لكي يستطيع المواطن تأمين قوته اليومي.