سيرياستيبس :
تصاعدت احتجاجات أصحاب المخابز، إذ في الأسابيع الأخيرة، شهدت عدة مدن مثل أصفهان ومشهد وتبريز وسنندج وطهران تجمعات احتجاجية.
شهدت إيران خلال الأسابيع الأخيرة موجة جديدة من ارتفاع أسعار الخبز، إذ أقدمت بعض المخابز على تجاهل لوائح الأسعار الحكومية الرسمية، ورفعت أسعار الخبز بذريعة أن الالتزام بالتسعيرة الرسمية لا يغطي كلف الإنتاج ويتسبب لها بخسائر مالية.
ووفقاً للتسعيرة الرسمية التي أقرتها الحكومة الإيرانية، يبلغ سعر خبز "سنكك" 5000 تومان (0.062 دولار)، و"بربري" 3500 تومان (0.043 دولار)، و"لواش" 900 تومان (0.011 دولار)، و"تافتون" 2500 تومان (0.031 دولار). إلا أن تقريراً ميدانياً نشرته وكالة "ميزان" أشار إلى أن معظم المخابز لا تلتزم فعلياً هذه الأسعار، مما يكشف عن فجوة واضحة بين التسعيرة الحكومية والممارسة الواقعية، وهذه ليست سوى جانب من القصة.
وارتفع السعر الرسمي للخبز في بعض المحافظات الإيرانية إلى ضعفه، وسط تداول أنباء غير رسمية عن احتمال رفع الأسعار في محافظات أخرى في قادم الأيام. وفي هذا السياق، أعلن المتحدث باسم نقابة البائعين مهدي أميدوار أن أسعار الخبز في طهران سترتفع خلال الأيام المقبلة، وأن التسعيرة الجديدة ستعلن قريباً.
وترتبط الزيادة الرسمية وغير الرسمية في أسعار الخبز في إيران بعوامل عدة، من أبرزها إلغاء الدعم الحكومي للمخابز وارتفاع كلف الإنتاج والانقطاعات المتكررة للكهرباء، إضافة إلى مشكلات في نظام "نانينو" الرقابي (نانينو: آلية رقابية تهدف إلى توزيع عادل للدقيق المدعوم حكومياً)، مما أدى إلى استياء واسع بين أصحاب المخابز. وفي ظل هذا الوضع، كررت الحكومة الـ14 نهج سابقتها، إذ حملت المحافظات مسؤولية رفع الأسعار رسمياً، في محاولة للتنصل من اتهامات "رفع سعر الخبز" على المستوى الوطني.
وفي ظل هذه الظروف، باتت أسعار الخبز تختلف من محافظة إلى أخرى، ومن مدينة إلى مدينة، بل وحتى من حي إلى آخر ومن مخبز إلى مخبز. وتلقي الحكومة باللوم على المخابز، معتبرة ارتفاع الأسعار مخالفة أو تدعي أن المحافظات تتخذ قرارات مستقلة في ما يتعلق بتحديد أسعار الخبز.
ومع ذلك تكشف هذه المقاربة في خلفيتها واقعاً آخر، مفاده أن الحكومة، إما من خلال فرض تسعيرة قسرية دون تقديم الدعم للمخابز، تلقي عبء كبح أسعار الخبز على عاتقهم أو من خلال التخلي عن الرقابة على السوق، تفسح المجال لارتفاع الأسعار بصورة غير محدودة إلى درجة بات فيها الحاجة الأساسية لغالبية المواطنين مهددة بالاحتفاء من على موائدهم.
الأسعار الحكومية والحرة
وتشير مراجعة الأسعار في منصات البيع الإلكتروني مثل "سنب فود" إلى وجود تفاوت كبير بين أسعار الخبز التقليدي في طهران والأسعار الرسمية التي حددتها الحكومة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، يباع خبز "سنكك" العادي بأسعار تراوح ما بين 10 و25 ألف تومان (0.125 دولار إلى 0.312 دولار)، بينما يصل سعر نوعه بالسمسم أحياناً إلى 40 ألف تومان (0.5 دولار). أما خبز "بربري" فيراوح سعره ما بين 8 و20 ألف تومان (0.1 دولار إلى 0.25 دولار)، في حين يباع خبز "لواش" المغلف بسعر يصل إلى 10 آلاف تومان (0.125 دولار).
ووفقاً لتقارير ميدانية نشرتها وكالات أنباء محلية في الأيام الأخيرة، فإن موجة ارتفاع الأسعار لا تزال مستمرة، وأن الفجوة بين الأسعار الفعلية والأسعار الرسمية تتسع يوماً بعد يوم. ويؤكد عديد من أصحاب المخابز أن مواصلة العمل وفق التسعيرة الحكومية لم تعد ممكنة في ظل ارتفاع كلف المواد الأولية وإيجار المحال وأجور العمال وكلف التأمين والانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي ورفع الدعم، عدا عن المصاريف التشغيلية الأخرى التي يتحملها أصحاب المخابز.
وفي هذا السياق قال أحد أصحاب المخابز في منطقة سلسبيل بالعاصمة طهران لصحيفة "هفت صبح": نبيع الخبز بسعر رغيفين، لكن نعطي رغيفاً واحداً فقط. نحن مضطرون لبيع الخبز بالسعر الحقيقي لتغطية الكلف، لكن نكتب على زجاج المحل السعر الرسمي حتى نتجنب الرقابة الحكومية".
وارتفعت أسعار الخبز الفاخر أيضاً، إذ تشير الدراسات إلى أن أسعار مختلف أنواع الخبز الكبير الحجم تضاعفت تقريباً بين مارس (آذار) 2025 ويونيو (حزيران) 2025. على سبيل المثال، كان سعر عبوة خبز "الباغيت" في مارس الماضي 19 ألف تومان (0.237 دولار)، ثم ارتفع إلى 29 ألف تومان (0.362 دولار) في مايو (أيار)، ووصل إلى 35 ألف تومان (0.437 دولار) في يونيو.
وأحد أهم الأسباب الرئيسة للزيادة غير الرسمية في أسعار أنواع الخبز هو توقف أو تعليق دفع المستحقات عبر نظام دعم الخبز (نانينو)، حيث كان الخبازون يحصلون على جزء من كلف الإنتاج من خلال نظام "نانينو" الذي يحول لهم مبالغ الدعم يومياً إلى حساباتهم، إلا أن بعض الخبازين يؤكدون توقف هذه المدفوعات تماماً منذ ثلاثة أسابيع.
في الوقت ذاته، وبحسب موازنة عام 2025، خصصت الحكومة مبلغ 250 ألف مليار تومان (3.125 مليار دولار) كدعم للخبازين بهدف توفير الخبز للمستهلكين بالأسعار الرسمية، إلا أنه وعلى رغم هذا المبلغ الذي خصص لدعم المخابز، يتحمل المواطنون كلفاً إضافية لتعويض نفقات الخبازين.
وتظهر زيارة لعدد من المخابز في المدينة أن أسعار الخبز تختلف من مخابز إلى أخرى، وهذا ما أثار استياء المواطنين، حيث يباع الخبز في بعض المخابز بأسعار تصل إلى ثلاثة أضعاف السعر الرسمي المعتمد.
وفي السياق ذاته قال أحد أصحاب المخابز في شرق طهران لوكالة "ميزان" للأنباء إن الأسعار الرسمية لا تغطي حتى كلف الغاز وأجور العمال، وإنهم مجبرون إما على رفع سعر الخبز أو تخفيض جودته.
وتحدث خباز آخر من سكان حي "الشيخ هادي" منتقداً سياسات الحكومة قائلاً إن "الحكومة تقدم دعم الطحين، لكنها لا تأخذ في الحسبان كلفاً أخرى مثل الإيجار والأجور، ولهذا يضطر الخبازون لتعويض مصاريفهم من خلال رفع الأسعار". وأضاف خباز آخر من سكان "ميدان بهارستان" قائلاً إنه "بالأسعار الرسمية، لا يمكننا حتى تغطية كلفة استهلاك الغاز ليوم واحد. نحن مجبرون إما على رفع الأسعار أو تقليل وزن رغيف الخبز".
مقارنة أسعار الخبز في العقود الأربعة
تظهر دراسة أسعار الخبز في إيران بعد سقوط نظام الشاه، أن ثمن هذه السلعة الأساسية شهد زيادة ملحوظة على مدار العقود الأربعة الماضية، وعلى سبيل المثال، يمكن تتبع عملية ارتفاع أسعار أربعة أنواع من الخبز هي "سنكك" و"لواش" و"تافتون" و"بربري" خلال هذه الفترة.
في عام 1979، كان سعر خبز "سنكك" يساوي توماناً واحداً وخبز "بربري" خمسة ريال وخبز "تافتون" خمسة ريال (0.00012 دولار)، وحتى عام 1985، ارتفعت هذه الأسعار تدريجياً، إذ بلغ سعر خبز "سنكك" 1.5 تومان وخبز "بربري" توماناً واحداً وخبز "تافتون" ثمانية ريال (0.00019 دولار) وخبز "لواش" خمسة ريال (0.00012 دولار).
وبعد حوالي عقد من الزمن، في عام 1995، وصل سعر خبز "سنكك" إلى 5 تومانات (0.000051 دولار) و"بربري" إلى 3 تومانات (0.000030 دولار) و"تافتون" إلى تومانين (0.000020 دولار) و"لواش" إلى توماناً واحداً (0.000010 دولار)، وهو ما يعكس تأثير التضخم في السنوات التي تلت الحرب الإيرانية العراقية.
وفي عام 2005، أشارت التقارير إلى ارتفاع حاد في الأسعار، إذ بيع خبز "سنكك" بسعر 55 تومان (0.000556 دولار) بينما وصل سعر خبز "بربري" إلى 100 تومان (0.0010 دولار)، وفي عام 2015، وصل سعر خبز "سنكك" إلى نحو 3000 تومان (0.0303 دولار)، وخبز "بربري" إلى 2500 تومان (0.0253 دولار) وخبز "تافتون" إلى 1500 تومان (0.0152 دولار) وخبز "لواش" إلى 900 تومان (0.0091 دولار).
وأخيراً، في يونيو 2024، جرى الإعلان عن الأسعار الرسمية للخبز على النحو التالي: خبز "سنكك" بسعر 5000 تومان (0.0505 دولار) وخبز "بربري" 3500 تومان (0.0354 دولار) وخبز "تافتون" 1500 تومان (0.0152 دولار) وخبز "لواش" 900 تومان (0.0091 دولار).
وعليه، منذ بداية النظام الحالي في إيران وحتى الآن، ارتفع سعر خبز "سنكك" بحوالي خمسة آلاف ضعف وخبز "بربري" بحوالي سبعة آلاف ضعف وخبز "تافتون" بحوالي ثلاثة آلاف ضعف وخبز "لواش" بأكثر من أربعة آلاف ضعف، وهذا يعتمد على الأسعار الرسمية المعتمدة في العام الماضي، في حين أن هذه المرة حتى تلك الأسعار الرسمية لم تعد صالحة، والأسعار الفعلية تتجاوز بكثير الأسعار المعلنة من قبل الحكومة.
مزاعم بمنع تهريب الطحين والخبز
في أواخر الربيع وأوائل الصيف من عام 2022، أقدمت حكومة إبراهيم رئيسي على إلغاء العملة المفضلة المخصصة لشراء الخبز بذريعة مكافحة "تهريب الطحين"، وأطلقت خطة تسمى "الشراء الذكي للخبز"، مما مهد عملياً لبدء تقنين الخبز في إيران. وعلى رغم تأكيد المسؤولين على أن تنفيذ هذه الخطة لن يؤدي إلى رفع أسعار الخبز، فإن الخبز متعدد الأسعار أصبح ظاهرة شائعة في مختلف مناطق إيران بعد فترة وجيزة من تطبيق هذه الخطة، وبات يعرف بـ"خبز البطاقة"، مما تسبب تدريجاً في مشكلات عديدة للمواطنين وأصحاب المخابز.
ومن أبرز المشكلات كانت متعلقة بنظام إدارة الخبز المعروف بـ"نانينو"، الذي ترتبط به بطاقات الشراء الذكية للخبز. كان من المفترض أن يحدد هذا النظام حالات مثل استخدام البطاقة نفسها أكثر من مرة في اليوم على أنها "مخالفة"، لكنه، وبسبب عدم توفر هذه الإمكان، كان يعتبر ذلك مخالفة من قبل أصحاب المخابز، ويعاقبهم بتقليل حصصهم. وعلى رغم وجود مشكلات أخرى في نظام "نانينو"، فإن العراقيل التي فرضتها الحكومة زادت من معاناة المخابز تدريجاً. ومن بين هذه الإجراءات، إيقاف دعم المخابز، وهو ما وضع أصحابها على حافة الإفلاس، وفقاً لعضو مجلس ممثلي غرفة النقابات في إيران، مرتضى صادقي حسيني.
ويرى ناشطون في قطاع السوق أن تفويض تحديد سعر الخبز إلى المحافظات يعكس تجاهل الحكومة لمشكلات أصحاب المخابز، فيما دافع بعض أعضاء البرلمان، ومن بينهم عضو لجنة الزراعة في البرلمان محمد جلالي، عن هذه الفكرة، إذ يؤكدون هؤلاء البرلمانيين أن "المحافظات يمكنها، وعند الضرورة، رفع سعر الخبز، ومن خلال اتخاذ إجراءات في الوقت المناسب، يمكنها منع الفوضى في التسعير والزيادات العشوائية في أسعار الخبز".
وفي المقابل أكد عضو مجلس ممثلي غرفة النقابات في إيران أن "تفويض تحديد سعر الخبز على المستوى المحافظات سيؤدي بالضرورة إلى ظهور عدم عدالة وعدم تنسيق بين المحافظات. إن تفاوت الأسعار في مختلف مناطق البلاد سيخلق حالاً من الاستياء والارتباك".
احتجاجات أصحاب المخابز
تشير التقارير الصادرة خلال الأسابيع الماضية إلى أن السبب الرئيس في ارتفاع أسعار الخبز يكمن في التباين بين الأسعار الرسمية التي تحددها الحكومة والكلف الحقيقية لأصحاب المخابز. وفي ظل هذه الظروف، دعا عديد من نشطاء القطاع إلى إعادة النظر في سياسات تحديد الأسعار. إذ انتقد عضو غرفة النقابات في طهران حميد رضا رستكار، سياسة تحديد الأسعار الإلزامية، مؤكداً أن هذا النهج إما أن يؤدي إلى تدهور شديد في جودة الخبز أو يضطر المواطنين إلى دفع أسعار تتجاوز التعريفات الرسمية لشراء الخبز.
وحذر رستكار من أن استمرار هذا الوضع سيؤدي إلى استمرار ارتفاع أسعار الخبز، مشدداً على أنه في حال تجاهل الحكومة لهذا الأمر، لا بد من إما دفع الدعم المباشر للمستهلك أو تحديد الأسعار بناءً على الواقع الاقتصادي للسوق. وإلا، سيظل المواطنون وأصحاب المخابز عالقين في دائرة مفرغة من الضغط والاستياء وعدم الاستقرار.
في الوقت نفسه تصاعدت احتجاجات أصحاب المخابز، إذ في الأسابيع الأخيرة، شهدت عدة مدن مثل أصفهان ومشهد وتبريز وسنندج وطهران تجمعات احتجاجية.
بعض أصحاب المخابز، واحتجاجاً على الانقطاعات المتكررة للكهرباء وفساد العجين، قام بإفراغ صواني العجين الفاسد أمام المحافظات والدوائر الحكومية أو مكاتب شركات الكهرباء. ويطالب أصحاب المخابز بتحديد سعر حقيقي للخبز وصرف دعم الطحين في موعده وتحسين البنية التحتية لتوفير الطاقة وإلغاء الأنظمة غير الفعالة مثل "نانينو"، والتي بحسب قولهم، تسبب مزيداً من الارتباك والخسائر بدلاً من تحقيق النظام.
تأثير ارتفاع أسعار الخبز في مائدة الأسر ذات الدخل المحدود
يؤثر الارتفاع المفرط في أسعار الخبز بصورة مباشرة في الحالة الغذائية للأسر ذات الدخل المحدود، إذ لا يزال الخبز من أرخص وأهم مصادر السعرات الحرارية اليومية لجزء كبير من سكان إيران. وبالنسبة إلى عديد من العائلات، لا سيما في المناطق المهمشة والريفية، يشكل الخبز الجزء الرئيس من وجباتهم الغذائية. بالتالي عندما ترتفع أسعار الخبز عن السعر المدعوم، تجبر الأسر ذات الدخل المحدود على تقليل الاستهلاك أو اللجوء إلى خبز أقل جودة وأرخص سعراً.
ويمكن أن تؤدي هذه التغيرات إلى سوء التغذية، وتراجع تنوع الغذاء، وعلى المدى الطويل إلى أضرار جسدية ونفسية، لا سيما بين الأطفال وكبار السن والعمال. وفي ظل الارتفاع الحاد في أسعار المواد البروتينية ومنتجات الألبان، يعد تقليل أو فقدان الوصول إلى الخبز تهديداً حقيقياً للأمن الغذائي لشريحة من المجتمع.
اندبندنت عربية