لجأت وزارة النقل في بداية تشرين الأول الماضي إلى حلّ غير مسبوق لحلّ
أزمة النقل من جهة، ولإتاحة دخل إضافي “محرز” لمن يملك سيارة خاصة!.
لقد دعت وزارة النقل عبر منشور على صفحتها الإلكترونية بعنوان “الحل عنا”
الذين يملكون سيارة خاصة ويرغبون بالحصول على مردود بطريقة موثوقة ومهنية
ونظامية مراجعة إحدى شركات التطبيقات الإلكترونية لنقل الركاب المعتمدة من
قبل وزارة النقل والهيئة الناظمة للاتصالات لتسجيل مركباتهم للعمل فيها وفق
ما يناسب رغبتهم.
وقد استندت الوزارة باعتمادها هذا الحلّ اللامسبوق على القانون رقم 16
للعام 2021 الذي سمح للمركبات الصغيرة، والمتوسطة (السياحية– الميكرو
باصات) المسجلة بالفئة الخاصة، والتي لا يزيد عدد مقاعدها عن عشرة مقاعد
بنقل الركّاب بواسطة نظام التطبيق الإلكتروني.
حسناً، السؤال: هل استعصت أزمة النقل لدى وزارة النقل مثل زميلتها وزارة
الإدارة المحلية، فلم تجد لها حلاً سوى الاستعانة بالتطبيقات الإلكترونية؟.
بعد مرور أكثر من شهرين على إطلاق آلية وزارة النقل عبر منشورها “الحل عنا”
لم نلمس أيّ آثار واضحة لحلحلة أزمة النقل في دمشق، بل تفاقمت هذه الأزمة
أكثر فأكثر، لأن الجهات كافة لا تريد أساساً اعتماد أيّ حلول تريح
المواطنين وتوفر لهم النقل المريح والتقيّد بأسعار النشرات الرسمية!.
أما إذا كان الهدف من تطبيق “الحل عنا” تأمين دخل إضافي و”محرز” لأصحاب
السيارات الخاصة، فإن وزارة النقل، إما لا تعرف أو تتجاهل وجود عشرات مكاتب
النقل الخاصة في كلّ منطقة بدمشق، وخاصة في الضواحي، هذه المكاتب بدأت
عملها منذ أكثر من عشرين عاماً، وهي تستقطب أصحاب السيارات الخاصة وتؤمّن
لهم دخلاً مرتفعاً جداً، وكانت تقدّم خدمات راقية لآلاف المواطنين بأسعار
تناسب دخل العاملين بأجر، سواء داخل دمشق أو السفر إلى المحافظات ولبنان
والأردن، قبل أن ترتفع أسعار المحروقات مرة تلو المرة لتتحوّل إلى مكاتب
للزبائن المقتدرين مالياً فقط!.
نعم، قبل أن تلجأ وزارة النقل إلى آلية سبقتها إليها مكاتب خاصة، فلتجب عن
السؤال: ما الآليات الفعالة لحلّ أزمة النقل، سواء في دمشق أم في
المحافظات؟،
لنتذكر أن وزارة النقل قبل أن تتدمّر منظومة السكك الحديدية، لم تستثمر
القطارات لحلحلة أزمة النقل إلا في نطاق محدود جداً، فأزمة النقل لمن لا
يعرف تعود لثمانينيات القرن الماضي!.
ومن المستغرب أنه ما من وزير للنقل سعى لتنفيذ مشروع للميترو في دمشق عبر
طرحه بجدية في مجلس الوزراء على مدى أربعة عقود، عندما كان يمكن تنفيذه من
قبل شركات أجنبية على حسابها وتستعيد تكلفته من عائدات تشغيله لعدد من
السنوات، كما فعلت دول أخرى مثل مصر!.
ومع أن الحلّ المتاح كان ولا يزال زيادة عدد الباصات، بما يتناسب وعدد
السكان في كل مدينة، فإنه ما من وزير للنقل تمكّن من إقناع أي رئيس للحكومة
منذ تسعينيات القرن الماضي باستيراد حاجة قطاع النقل من الباصات، وكانت
الإمكانات المادية لاستيرادها متوفرة.
وحتى عندما عرضت شركات صينية منذ عامين مشروعاً للقطارات الكهروضوئية، فإن
التجاهل كان الردّ المتوقع من كلّ الجهات المسؤولة عن أزمة النقل!.
المشهد يمكن اختصاره بالتالي: لا مترو ولا باصات كافية.. فما الحل؟.
كان ولا يزال الحلّ المتاح والذي لا يكلف الحكومة قرشاً واحداً هو قرار
بتحويل سيارات الأجرة والتي يتجاوز عددها 35 ألفاً في محافظتي دمشق وريفها
إلى سيارات سرفيس، والتي ستتيح طاقة نقلية كبيرة توازي استيراد 2200 باص،
وبالمقابل فإن من يرغب بسيارة تاكسي فهو بالأساس يلجأ إلى مكاتب السيارات
الخاصة وأسعارها كانت ولا تزال أرخص من سيارات الأجرة الجوالة والتي لا
تلتزم بأيّ تسعيرة!.
ونشير إلى أن الآلية التي تضبط عمل الميكروات ليس أنظمة التتبع، وإنما
إحداث مراكز ثابتة لانطلاقها من بدايات ونهايات الخطوط بالتنسيق مع نقابة
النقل تسجل حركتها على مدار الساعة.
بالمختصر المفيد: لا يبدو أن الجهات الحكومية وتحديداً وزارتي النقل
والإدارة المحلية بوارد إيجاد الحلول لأزمة النقل، بل إن مناطق سكنية كبيرة
لا يصلها أي باص أو ميكرو، وهما تؤكدان يوماً بعد يوم وعلى مدى أكثر من
ثلاثة عقود لملايين المواطنين: لا تُعذّبوا أنفسكم… “الحل ليس عنّا”!!.