سيرياستيبس :
لم يكن قطاع السياحة في سورية كنظرائه في الإقليم على الأقل، نتيجة للحرب القذرة على الدولة والشعب في سورية، ضمن مؤامرة “الربيع العربي” وهمروجة الداعمين له، فقد كان أول القطاعات الاقتصادية التي تضررت وطالتها قبل غيرها وبشكل كبير الآثار القاسية بتداعياتها الاستثمارية والتشغيلية والتوظيفية، وبالتالي المالية والنقدية، الأمر الذي أدى لتعثر عدد كبير من مشاريعه، ودمار منشآته الكلي والجزئي وخسائر مالية وازنة، إلى جانب فقدان مئات آلاف فرص العمل التي كان يؤمنها للداخلين سنوياً إلى سوق العمل من مختلف الاختصاصات.
لم يكن كنظرائه لأنه ما إن عاد الأمن والأمان والاستقرار لمساحات واسعة من الأراضي السورية، وبدأت المشاريع بمعالجة نكبات تعثرها وتضميد جراحاتها، حتى جاءت ضربة كورونا التي يجب ألا تكون قاضية لهذا القطاع، وما كان يشكله ويساهم به على مستوى الناتج المحلي الإجمالي، وما يتيحه من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، ويؤمنه من قطع صعب.. إلخ؛ حيث لم تقتصر الآثار على فقدان السياحة الخارجية فقط، وإنما تعدت ذلك لشلل في السياحة الداخلية.
خصوصية ظالمة!
اليوم، وفي ظل مواجهة جائحة كورونا، نجد أن هذا القطاع الأمل، ذا الخصوصية، أمام تحدي الاستدامة والاستمرار، نتيجة للإجراءات الاحترازية والقرارات الصادرة بهذا الشأن التي لا تزال مطبقة عليه، خاصة منشآت الإطعام السياحي، مقارنة بغيره من القطاعات الأخرى التي شهدت إنفراجات في القرارات، ما مكنها من العودة التدريجية للعمل والإنتاج والتشغيل، ما يعني أن المطالبة بمعاملة هذا القطاع معاملة القطاعات الأخرى أضحت مطلباً يقتضيه “مصير” مئات المنشآت، إذ بدأت أصوات أصحابها تتعالى لإيجاد الحلول، مع إبداء الاستعداد التام بالالتزام الصارم وضمن الشروط والحدود والمعايير الملزمة بالتطبيق الاحترازي في الإجراءات.
مقارنة منطقية؟!
عدد من أصحاب المنشآت السياحية (منشآت الإطعام)، وبما يمثلون من فعاليات سياحية، تواصلوا مع “البعث” مناشدين المساعدة في إيصال معاناتهم وصوتهم للجهات المعنية، عل وعسى يتم التوصل والمساعدة في إيجاد المخارج التي تنقذ استثماراتهم وأعمالهم وتنقذ ما تؤمنه، متسائلين: إلى متى القطاع السياحي، وتحديداً منشآت الإطعام بكافة فعالياتها ستظل مغلقة؟!
وجهة نظر أصحاب تلك المنشآت تستند إلى مقارنة منطقية مع غيرهم في القطاعات الأخرى، بحيث يصح التساؤل: هل افتتاح الأسواق التجارية بكافة مهنها لا يؤثر على سلامة المواطنين؟ وهل تجمع المواطنين في الأسواق، خاصة أسواق اللحوم والمواد الغذائية، وعلى أبواب المؤسسات ومعتمدي توزيع الخبز والغاز، وأجهزة الصراف الآلي، ووسائل ودوائر النقل الجماعي.. إلخ، لا يؤثر على سلامة المواطنين؟! ألا تعلم الجهات المعنية أن المطاعم السياحية تتمتع بالنظافة والحرص على سلامة عمالها وزوارها أكثر من أية مهنة ثانية؟! وهل تعطيل العمل السياحي وآلاف العمال فيه، حالة إيجابية؟!
ويتابعون طرح أزمتهم متسائلين في سياق دخولهم شهر رمضان، وإقبالهم على فصل الصيف: هل وجود المواطن وأسرته، أو مع بعض أصحابه، في مطعم صيفي، وضمن أحضان الطبيعة، أو ضمن صالة تتمتع بكافة شروط النظافة ومعايير الجودة، يؤثر على سلامته؟! في حين تم السماح لكل المهن والمحال والأسواق بالفتح الجزئي أو الكلي، والمواطن ملزم بارتيادها لتأمين حاجاته اليومية، بينما لا يزال العمل السياحي يعتبر من الكماليات!؟ مع العلم أن المواطن غير ملزم بدخولها، إذا كان غير مطمئن، وليس كباقي المهن في القطاعات المختلفة؟!
وكممثلين عن أصحاب هذه المنشآت، يؤكدون أن الجميع مستعد لإعادة التشغيل وبنظام يراعي الإجراءات الاحترازية وأكثر، بدءاً من ترك مسافات كافية بين الطاولات حرصاً على سلامة مرتاديها، علماً أن جلوس العائلة الواحدة، أو مجموعة من الأصدقاء، على طاولة واحدة في مطعم، لا يختلف عن جلوسهم في منازلهم من حيث المسافات، لا.. وربما أكثر أمناً!
مناشدة واستعداد!
في ضوء كل ذلك، يناشد أصحاب تلك المنشآت الفريق الحكومي ووزارة السياحة واتحادهم وغرفهم العمل على إعادة النشاط السياحي ومنشآته السياحية، وهم مستعدون لتنفيذ كافة الشروط التي تحددها الجهات السياحية والصحة، وبما يضمن أعلى درجات سلامة وأمان المواطنين الراغبين بارتياد المنشآت وفعالياتها.
أحد أصحاب منشآت الإطعام، ممن تواصلوا معنا لإيصال شكواه، ومن يمثل، قال: بالتأكيد أن لدى أصحاب القرار من المعطيات والمعلومات ما ليس لدينا، وبناء عليه يتخذون القرارات التي نقدرها، ولكن لدينا من الأوجاع ما يجب أخذها بعين الاعتبار والحسبان، خاصة أن جميع القطاعات عادت للعمل إلا قطاع السياحة، وهذا سبب بقطع أرزاقنا، مع العلم أننا شريحة واسعة من المجتمع تحتاج كما يحتاج غيرها! ولاسيما أن وعود التعويض لم تترجم على أرض الواقع!! ويلفت إلى أنه لا يوجد أي التزام بموضوع الحجر أو التباعد الاجتماعي، وذلك إما بسبب قلة وعي المجتمع، أو بسبب التراخي بتطبيقه، وعليه يرى – ويشاركه رأيه العديد من نظرائه من مستثمرين – إن الإجراءات الاحترازية لم تمنع المشاركات الاجتماعية بالأتراح والأفراح، حيث المناسبات تقام بالمنازل، والازدحام بوسائل النقل، وبأسواق الخضار والفواكه.. إلخ، لايزال قائماً، بينما من غير المسموح للمنشآت السياحية أي نشاط، على الرغم من أن بإمكانها على الأقل تأمين اشتراطات أمان الاجتماع والتشغيل وتقديم الخدمة بكل معايير الضمان والسلامة!
نحن مواطنون أيضاً!
وكأي مواطن يشتكي أصحاب الفعاليات السياحية في هذا القطاع من غلاء المواد، والتعطل من العمل، وما يعنيه ذلك من فقدان لأية مداخيل أو قدرة على التعويض على العاملين لديهم، الأمر الذي يفاقم أوضاعهم المعيشية، وقدرتهم على التعويض واستمرار الخسارة وحتى الإغلاق لاحقاً وفقدان الاستثمار، وبالتالي فقدان مطارح فرص عمل هامة وواسعة، إذا ما ظل الوضع على حاله، ولم يتم إيجاد حل!
كما يرون، أن قرار استمرار إغلاق المطاعم والصالات هو قرار وإجراء غير ذي فاعلية، ويشددون على أنه ليس من المنطق أو الإنصاف أو الحكمة أن يستمر الإجحاف بحقهم، لذلك يأملون من أصحاب القرار أخذ شكواهم وأوضاعهم على محمل الجد، وبكثير من المسؤولية والرحمة.
لا مبرر!
الدكتور ناصر قيدبان أستاذ مادة الإبداع وريادة الأعمال في جامعة دمشق والرئيس التنفيذي لشركة طيران أيست ويست، قال: كما كانت الحكومة ناجحة وسباقة في التصدي لفيروس كورونا، وهذا رصيد يسجل لها، كذلك يجب ألاَّ تهدر رصيدها في التأخر بإجراءات العودة للحياة الطبيعية، مع اعتماد ضوابط ومعايير وأسس لارتياد الفنادق والمطاعم، ومتابعة العمل والنشاط اليومي، واستمرار إجراءات الصحة العامة.
وحول سؤالنا رأيه فيما تقدم، قال: أنا مع عودة الحياة إلى سابق عهدها بالكامل، مع التقيد بشروط الصحة العامة والانضباط والنظام، ولا مبرر في سورية من استمرار هذه الإجراءات، مشبهاً ما يتم كذاك الذي “يريد اصطياد عصفور بقذيفة هاون!”، معتبراً أن ” كورونا” أصبح شماعة لتسجيل الإنجاز، وممحاة لتاريخ أخطاء البعض!
وعليه، فهو يرى ضرورة وضع اشتراطات وأنظمة تشغيل للمطاعم وللنقل وللدراسة والامتحانات وللدوام، وبإجراءات منظمة بالحدود العادية، لافتاً إلى أن جميع دول العالم ستعاود نشاطها اعتباراً من ٦ أيار، وبشكل أكبر في ١٥ أيار، ما يعني ٢٠ يوماً بالنسبة لدول عندها إصابات بمئات الآلاف!
في طور الرؤية!
رئيس اتحاد غرف السياحة السورية محمد خضور، وفي معرض رده على سؤالنا رأيه في مطالب القطاع، كشف عن أنهم يعملون، بالتعاون والتنسيق الكامل والمتميز مع وزارة السياحة، على تقديم رؤية عمل وإعادة تشغيل للمنشآت وفق خطة مدروسة بعناية، وتعكس أهمية وأحقية هذا القطاع في عودة التشغيل لمنشآته، كونه القطاع الأكثر خسارة وتضرراً بين القطاعات كافة، لا بل إن هناك قطاعات حققت أرباحاً كبيرة، ليست بالوزن والأهمية والعراقة التاريخية والاقتصادية والعائدية لقطاع السياحة، وما كان له من دور، وما يُعول عليه قادماً من أدوار ليكون رافعة رئيسة للاقتصاد الوطني.
كما كشف عن أن وزير السياحة مهتم جداً بهذا الشأن، وهو على تواصل دائم مع الفريق الحكومي المعني بالقرارات الاحترازية، ووضعه في صورة الوضع الحالي للمنشآت السياحية وضرورة منحها متطلبات القدرة على العمل واستدامته، ومن أجل ذلك عقدت الوزارة والاتحاد، ممثلاً عن الغرف، اجتماعات عدة كان آخرها الخميس الفائت، حيث تم التوجيه لغرف السياحة لوضع رؤيتها لكيفية إعادة التشغيل للمنشآت السياحة، ليصار إلى توحيدها في إطار واحد وتقديمه لأصحاب القرار لتدارسه واتخاذ المطلوب، وبالقدر الذي يستحقه هذا القطاع ويتناسب مع رقيه وفعاليته الاقتصادية والخدمية والاجتماعية.
بكلمة..
ما سلف فيه الكثير من الوجاهة والضرورة، ما يستدعي من مفاتيح القرار إصدار اللازم منها، لتتمكن تلك المنشآت من تأمين الحد الأدنى من التشغيل، كي تستطيع النهوض بأعباء تكاليف استمرارها، خاصة أنها منشآت تتصف بتأمينها مساحة واسعة من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، وهذا يعني التخفيف على خزينة الدولة ما يمكن أن تدفعه لآلاف من العمال الذين فقدوا مصدر رزقهم، نتيجة للإغلاقات التي حان الوقت لرفع الحظر عنها وعودتها للتشغيل، وضمن اشتراطات احترازية أثبت القطاع السياحي أنه من المميزين فيها؛ ولعل القطاع الفندقي، الذي استمر بالعمل، خير شاهد، فهل يشهد هذا القطاع ما يستحقه عاجلاً؟
قسيم دحدل
المصدر:
http://mail.syriasteps.com/index.php?d=134&id=181829