بنسبة يمكن وصفها بالمقلقة، هناك رأي سائد، في مفاصل رسمية وشبه رسمية، مفاده أن قطاعنا الصناعي العام لم يأخذ حقه ومستحقاته مما يتوجب أن يناله انتصاراً لتاريخه المشرّف، حين استطاع أن يثبت أنه الأمين على اقتصادنا الوطني، والضامن لقوة قرارنا المحلي، والداعم لاستقلالية موقفنا السياسي، فما بالنا إن تحدثنا عن ضرورة الدعم له بكل مفرداته؟!
وكذلك لم يتمّ تمكينه لجعله قادراً بالشكل والمضمون الأمثلين، تشريعياً ومالياً وتقنياً، على النهوض بالمعول والمراهن عليه من نهضة صناعية تعيد لهذا القطاع ألقه وريادته في المشهد الصناعي الوطني والإقليم، كما كان أثناء القرن الماضي، على إثر تجربة الحصار القاسية على سورية في عقد الثمانينيات، حيث كان القرار “أن نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع..”، وكان لنا ذلك.
لكن هذا لم يدم! حيث تراجع قطاعنا الصناعي العام تراجعاً مريباً، وتمّ إفشال العديد من مؤسساته وشركاته الرائدة، حتى تلك التي نالت سمعة عالمية!!
حالياً، ورغم كل التأكيدات بأن هذا القطاع صمام أمان وضمان لقوة اقتصادنا الوطني، إلا أننا لم نستشعر ما ينبئ بإعطاء هذا القطاع متطلباته، حتى نكاد نجزم – وفقاً لمصادر رسمية – أن هناك من يعرقل أية خطوة واضحة صريحة (تذكرون قانون تطوير القطاع)، باتجاه تمكين إداراته العامة من ترجمة ما يتطلّب منها ومن مؤسساتها وشركاتها من دور في هذه المرحلة الصناعية الحرجة جداً لناحية تأمين السلع والمنتجات الغذائية وغير الغذائية عبر تحقيق الاكتفاء الذاتي وطنياً، وخاصة في ظل تبعات وتحديات مرحلة ما بعد جائحة كورونا، غير المعروفة خواتيمها، (ارجعوا لتحذير برنامج الأغذية العالمي في أواخر شهر نيسان الماضي)!
حتى اللجنة التي تمّ تشكيلها برئاسة وزير الصناعة وعضوية 11 من الوزارة وغرف الصناعة والحرفيين، بهدف وضع رؤية حول عمل القطاع الصناعي العام والخاص، خلال هذه المرحلة، لضمان استمرار عمل جميع المنشآت الإنتاجية.. حتى هذه اللجنة – يغمز بعضهم – هي ضمن السقف المسموح التعاطي به مع قضية تطوير القطاع وتحديداً العام؟!
لعلّ ما سبق يجهض ما كشف عنه وزير الصناعة من “آلية جديدة يتمّ العمل عليها للنهوض بالقطاع العام، ضمن برنامج إسعافي وإستراتيجي، يتمّ من خلاله وضع خطوات تنفيذية للنهوض بواقع عمل الشركات لمعالجة استنزاف القطاع العام”، ودليلنا على ما نقول، نذكّر بصيغة التساؤل: هل تخفيض الميزانية الاستثمارية لوزارة الصناعة لهذا العام (2020) يخدم توجّه الوزارة ومؤسساتها وشركاتها، ويمكّن وزيرها من تنفيذ ما يراد لهذا القطاع؟!
وإذا ما ادّعينا أننا من القراء الجيدين لما بين السطور، فكيف يمكن أن نفهم سعي وزير الصناعة لإصدار تشريع يسمح بتفويض منه “إضافة أو تعديل النشاط الصناعي القائم للشركات العامة، استناداً لدراسة الجدوى الاقتصادية المعتمدة”؟! وكيف نفهم أن مثل هذا التشريع، رغم ضرورته، لا يزال يبحث ضمن لجنة “إصلاح القطاع العام الصناعي”؟
وسيظل السؤال المزمن حاضراً: ما دمنا لم نحزم أمرنا وننتصر لقطاع أثبت أنه يستطيع سابقاً، ويثبت حالياً…، فكيف يمكن إنعاش هذا القطاع والانطلاق والنهوض به نحو الأهداف الإستراتيجية التي لا نفتأ في غير مناسبة الإعلان عنها؟!
لا شك أن قطاعنا العام الصناعي يمتلك الإمكانيات والمكونات، وبإمكانه أن يكون كما نريد له أن يكون، لكن وللأسف نسمع أقوالاً ولا نلمس أفعالاً، مع أن ما ينقصه فقط هو “القرار” النافذ!!
قسيم دحدل
المصدر:
http://mail.syriasteps.com/index.php?d=192&id=183029