هو الحد الأدنى لتقديرات حجم الودائع السوري في لبنان، علماً بأن الأمين العام لجمعية المصارف مكرم صادر يقول أن الحد الأقصى لهذه الودائع هو 5 مليارات دولار
الإعلام الغربي VS الاكتفاء الغذائي الذاتي
العقوبات
على سوريا لن يُكتب لها النجاح كما لم يُكتب النجاح لأيّ سلّة من العقوبات
الأحادية، سواء كانت مفروضة على كوبا وكوريا الشمالية وروسيا والصين
وفنزويلا وبوليفيا وتركيا. هذه حقيقة مدوّنة في دراسة مفصليّة لكلّ من غاري
هوفباور وجيفري سكوت وكيمبرلي آن اليوت بعنوان «مراجعة العقوبات
الاقتصادية» (Economic Sanctions Reconsidered) والتي توصّلت إلى نتيجة أن
سياسة العقوبات لن تُجدي شيئاً. رغم ذلك، ترى القيادات الأميركية أن
العقوبات الأحادية هي بديل فعّال من المواجهة العسكريّة المفتوحة التي تعجز
عن القيام بها. ومن الواضح أن النخب الحاكمة الأميركية لا تتّعظ من
التجارب السابقة لها ولغيرها، فلا ذاكرة لها. ويمكن تعميم هذا الدرس على
قيادة الكيان الصهيوني التي ترى أن سياسة العقوبات تدمّر محور المقاومة على
حدّ قول بني غانتز. نعم، هناك ثمن مؤلم تدفعه شعوب المحور المقاوم ولكن
لا، ولم، ولن تغيّر من عزيمتها على مقاومة الاحتلال والهيمنة الأميركية.
هو الحد الأدنى لتقديرات حجم الودائع السوري في لبنان، علماً بأن الأمين العام لجمعية المصارف مكرم صادر يقول أن الحد الأقصى لهذه الودائع هو 5 مليارات دولار
الإجابة تكمن في طبيعة الشركاء
التجاريين لسوريا. فالشريك الأول هو الصين بنسبة 8.2%، يليها لبنان بنسبة
6.3%، ثم روسيا بنسبة 6%، فالعراق بنسبة 4.3%، ومصر بنسبة 4%. أمّا إيران
فتأتي في المرتبة الثانية عشرة بنسبة 2.01% رغم خط الائتمان بينهما. هذه
التجارة الخارجية تتطلّب طلباً على العملة الأجنبية قد يكون اليوان الصيني
أو الليرة اللبنانية أو الروبل الروسي، وكذلك الأمر بالنسبة إلى سائر
الشركاء التجاريين ولكن ليس على الدولار بحدّ ذاته. فلماذا أصبح مقياس
الانهيار هو سعر صرف الليرة تجاه الدولار؟ كما أن التراجع في الاستيراد
سواء بسبب قرار الحكومة السورية خفض الاستيراد أو بسبب الحجر التي تفرضه
العقوبات، يجب أن يؤدّي إلى تراجع الطلب على العملة الأجنبية، وتالياً
التحسين النسبيّ في سعر صرف الليرة السورية. لكن لم يحصل ذلك أيضا فلماذا؟
كما أن الديون الخارجية لسورية شبه معدومة، أي أنه ليس هناك طلب إضافيّ على
العملة الأجنبية وخصوصاً على الدولار مقارنة بما كان عليه الوضع قبل الحرب
وقبل العقوبات. مجدّداً، لماذا تراجع سعر صرف الليرة السورية ولا سيما أن
التداول الداخليّ في سوريا هو حصراً بالعملة السورية؟
الإجابة بسيطة:
المضاربة على الليرة السورية بدافع الجشع أو التآمر. الحكومة تستطيع عبر
سلّة من الإجراءات الحدّ من وطأة المضاربات مثل إعادة طباعة العملة السورية
وحصرها في التداول الداخلي وإلغاء العملة السورية المتداولة في الخارج
إلّا بعد التدقيق بشرعية وجودها في الخارج وبكمّيات محدودة. فعلى التجّار
التعامل عبر المصارف السورية وكلّ ما هو خارج المعاملات المشروعة يصبح موضع
شبهة حتى إثبات العكس. أمّا بالنسبة إلى التآمر من قِبل جهات خارجية،
فساحة الميدان تحسم المعركة، وبالنسبة إلى التآمر من الداخل فهذا يصبح
شأناً أمنياً وليس اقتصادياً أو مالياً بحدّ ذاته.
- الملاحظة الثانية
هي مسار الاقتصاد السوري خلال الحرب والاستقرار النسبيّ للمتغيّرات الكلية
حتى الانهيار في القطاع المصرفي اللبناني وجائحة «كورونا». هناك تقارير
اطّلعنا عليها تفيد بأنه رغم وزر الحرب، استطاعت الليرة السورية الحفاظ على
حدّ أدنى من الاستقرار وذلك رغم تراجعها عمّا كانت عليه قبل اندلاع الحرب.
فإذا كان سعر صرف الليرة السورية قبل 2011 يوازي 50 ليرة مقابل الدولار،
تراجعت قيمة الليرة السورية واستقرّت عند 514 ليرة مقابل الدولار في عام
2017، وفقاً لإحصاءات نشرتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. أما في
2020، فقد تراجع سعر الصرف إلى نحو 2800 ليرة سورية مقابل الدولار الواحد.
لماذا حصل ذلك؟ الإجابة واضحة. ليست العقوبات ولا حتى قانون قيصر وراء
تراجع الليرة السورية بل الكارثة التي حلّت بالنظام المصرفي اللبناني. ليست
هناك إحصاءات دقيقة حول حجم الودائع السورية في المصارف اللبنانية التي
يتراوح تقديرها بين 20 و40 مليار دولار أميركي. هذه الودائع، بمعزل عن
شرعية مصدرها، هي تشكّل احتياطاً يُسهم في تأمين الحدّ الأدنى من
الاحتياجات السورية بالعملة الأجنبية. لكن نلاحظ أيضاً أن الضغط على
الودائع السورية بدأ مع الحرب الكونية على سوريا في عهد الرئيس ميشال
سليمان ورئيس الوزراء آنذاك نجيب ميقاتي حيث تشدّدت القيود على الزبائن
السوريين وودائعهم. لكن كلّ ذلك كان مضبوطاً أو تحت السيطرة إذا جاز الكلام
حتى حصل الانهيار المصرفي في لبنان.
حرق المحاصيل الزراعية
أمّا
جائحة كورونا فتداعياتها على قطاعات الاقتصاد السوري كافة مماثلة لما يحدث
في دول أخرى. توقف عجلة الإنتاج أو تباطؤها ساهم في تراجع الناتج الداخلي
أكثر من التراجع الناتج من تدهور سعر الصرف، وتلازم الجائحة وانهيار النظام
المصرفي في لبنان وحرق المحاصيل الزراعية من قبل قوى الاحتلال الأميركي
والتركي هي الأسباب الرئيسية للتدهور الحاصل خلال السنة الماضية.
إذاً،
تبقى مسألة ارتفاع الأسعار الجنوني. قسم من هذا الارتفاع يعود إلى تراجع
الإنتاج الذي سبّبته جائحة كورونا والأعمال العدوانية على المحصول الزراعيّ
الذي قامت به القوى المتحالفة مع الأميركيين والأتراك. والتراجع في
الإنتاج الذي لا يقابله تراجع في الكتلة النقدية يؤدّي إلى التضخم. كذلك
هناك جشع فئات من التجار تتحجّج بارتفاع كلفة البضائع المحلّية وغير
المستوردة. فلا علاقة بتراجع سعر الصرف لأنّ الاستيراد محدود أصلاً ولا
يبرّر ذلك التأثير على الكلفة. لا معنى لمقاربة القوّة الشرائية لدخل الفرد
السوري عبر الدولار الذي لا يعني شيئاً للأسباب التي ذكرناها. إذاً يبقى
عامل المضاربة على الليرة مرفقاً بجشع التجار الذين يعتبرون المرحلة
الحالية فرصة. لم ترتفع الأسعار بالشكل الجنوني الذي نشهده اليوم طيلة
الفترة السابقة حتى مطلع 2020.
سوريا تكيّفت مع العقوبات منذ بدء فرضها سنة 1979 فاستمرّت عجلة الإنتاج، بل تضاعف الناتج الداخلي، وحتى في ذروة الحرب الكونيّة المفروضة عليها، صمدت سوريا ولم تنهَر، لذا كيف «يتدهور» الوضع الاقتصادي بعد استعادة حلب ومعظم المناطق السورية من سيطرة جماعات التعصّب والغلو والتوحّش، لولا حرق المحاصيل الزراعية وجشع التجار وانهيار النظام المصرفي في لبنان
عملياً،
سوريا تكيّفت مع العقوبات منذ بدء فرضها سنة 1979 مروراً بقانون محاسبة
سوريا في 2003 وإن كان على حساب رفاهية المواطن. استمرّت عجلة الإنتاج، بل
تضاعف الناتج الداخلي، وحتى في ذروة الحرب الكونية المفروضة عليها، صمدت
سوريا ولم تنهَر. فكيف «يتدهور» الوضع الاقتصادي بعد استعادة حلب ومعظم
المناطق السورية من سيطرة جماعات التعصّب والغلو والتوحّش، لولا العوامل
الآنفة الذكر؟
أما قانون قيصر فيستهدف المستقبل وخاصة لمحاصرة إعادة
إعمار سوريا. في هذا السياق ليس أكيداً أنه سيكون لهذا القانون فعالية
تُذكر. سوريا ليست وحدها بل لديها حلفاء تستهدفهم أيضاً العقوبات بما فيها
قانون قيصر، لو أقدموا على دعم سوريا. نعتقد أن المحور المناهض للهيمنة
الأميركية يقوم بما يلزم لتجاوز تلك العقوبات على صعيد نظام مدفوعات مالية
غير خاضع للسيطرة الأميركية. كل هذه الجهود قد تستلزم بعض الوقت ولكنها
آتية لأن العالم لم يعُد يستطيع تحمّل مزاج متقلّب عند الطرف الأميركي خاصة
أن الواقع الأميركي في حال ضعف استراتيجي. أما على صعيد المرحلة الحالية
فالتعاون بين الجمهورية العربية والسورية وحلفائها مستمرّ ولن يسمح بانهيار
سوريا. أزمة الخبز قد تُحلّ قريباً بعد التعاون مع روسيا كما ظهر من نتائج
زيارة الوفد السوري إلى موسكو أخيراً.
موازين القوّة على الأرض وعلى
الصعيد الدولي هي التي ستحسم جدوى قانون قيصر. كل الدلائل تشير إلى أن
موازين القوّة ليست في صالح الولايات المتحدة ومن يقف معها في أوروبا وفي
بعض الدول العربية رغم بعض «الإنجازات» التكتيكية في مرحلة التراجع
الاستراتيجي لهذه الدول. نعم هناك ألم يتحمّله الشعب السوري لكنه لن يؤدّي
إلى تحقيق أهداف العدوان الكوني على سوريا.
كاتب وباحث اقتصادي سياسي والأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي
الاخبار
المصدر:
http://mail.syriasteps.com/index.php?d=137&id=185871