هل يحق للقحاب ان يرفعوا علم بلادهم؟
09/01/2022
كتب: رشاد انور كامل
بعد صدور قرار إلزام صانعي المحتوى لوسائط التواصل الاجتماعي (يوتيوب، انستغرام، تيك توك) وخاصة الأفلام القصيرة من الأفراد والمجموعات الإنتاجية الصغيرة بالحصول على موافقة لجنة صناعة السينما والتلفزيون على المحتوى المنتج وذلك قبل عرضه وإلا خضع ذاك المحتوى لقانون الجرائم الالكترونية، ارتفعت أصوات مندّدة وأخرى ساخرة من فكرة تجريم كل من رفع فيديو على أي من تلك الوسائط ...
ولكن هل ذلك القرار الصادر خطأ أم أنه ينتمي لحقبة زمنية مضت، أم دليل على هشاشتنا الإعلامية والاجتماعية والسياسية والتي يهزها فيلم قصير منشور على يوتيوب من ساخط ... او قفا صبية جميل تهزه على تيك توك ؟
أولا القرار من الناحية القانونية وارد، ويحق لأية دولة أن تتخذ إجراءات خاصة فيما يتعلق بسياسة النشر على وسائط نشر.
ولكن الواقع التاريخي لمفهوم قوانين النشر كان يفترض أنها عملية مؤسساتية من الممكن ضبطها وفق أنظمة، وحصرها بصحف ومجلات وإذاعة وتلفزيون وبعض المنشورات التي كانت تلاحق أمنياً كونها الوسيلة المنفلته في زمانها عن أدوات النشر المضبوطة.
وقد بدأ الخلل مع ظهور البث الفضائي، فالاعلام المختلف دخل البيوت عنوةً، وفقدت الحكومات السيطرة على المصدر، ولكن المصدر استمر بشكله المؤسسي، فالدول هي من كان يملك البث الفضائي، وبعض الشركات الكبرى الجاهزة لتحمل تكاليف حجز الحزم الفضائية الرقمية.
الانترنت هي من كسر القاعدة فعلاً، عبر المواقع الالكترونية منخفضة الكلفة، وفي البدايات كانت المنتديات هي الشكل الاكثر جاذبية للأفراد للتعبير عن آرائهم خارج إطار أية مؤسسة، و ما حدث بعدها من تطور للوسائط التي تتيح للأفراد أن ينتجوا محتوى ويبثوه، ابتداءً من تغريدة أو منشور فيسبوكي او فيديو على يوتيوب وصولاً الى التيكتوك، أحدث ثقباً هائلاً في منظومة السيطرة على النشر عالمياً لا فقط سورياً.
أمريكا ارتعدت عندما سيطرت الصين على فضاء النشر الشخصي على التيكتوك وخرجت عن طورها في مقاطعة الشركات الصينية التي كسرت قاعدة حيازة أمريكا لمنصات النشر الشخصي، وطالبت الشركة الصينية أن تسلم نفسها طواعية للشركات الامريكية أو أن تواجه الحرب الرقمية... وفعلا لم يفك الحظر إلا بعد اتفاقات أن تسيطر أمريكا على فضاء ما ينشر في امريكا .
إذن هي مساحات حرب إعلامية وليست حرية شخصية كما يتصور البعض.
صحيح أن أدواتها هي ملايين الناشرين الافراد، ولكن هذا الضجيج بمحصلته هناك أدوات تحكم مساره، وهو غير منفلت أو حرّ كما يتصور البعض، فقيادة الضجيج الإعلامي أصبح علماً بحد ذاته، وله قواعد لعب ويبدأ من منطلق بسيط هو الاستراتيجية الاعلامية للبلد والتي أصبحت جزءا لا يتجزأ من الاستراتيجية الأمنية الداخلية والخارجية وجزء ً من ميزانيات الدفاع الالكترونية.
نحن كدول تنتمي الى حقبة سابقة من التاريخ، لا نستطيع مجاراة الكبار في اللعب من هذا العيار الاعلامي، وينجرف مواطنونا مع الضجيج الاعلامي الغربي بحكم التأثر وتقليد المنتصر، ولانتفاء أية هوية إعلامية و قيادة إعلامية خاصة بنا، ومن هنا كان الصدام حتمياً، بين دول ذات سيادة إعلامية وخصوصية أخلاقية ودينية مثل الدول العربية ومنها سورية، فالدولة الآن في مواجهة أفراد لا مؤسسات، والاخلاق الوطنية المدَّعاة أيضا في مواجهة أشخاص لا مؤسسات.
انكشفنا إعلاميا على مستوى أضعف أنواع المحتوى الرقمي على تلك الوسائط والذي رفع علم بلاده فوق هذا المحتوى، فأصبح الجميع يمثل الجميع وهذا ضجيج إعلامي إن لم نحسن قيادته وسريعاً جرفنا...
لا يمكننا أن نترك المتطرفين السياسيين ولا الدينيين، ولا العنصريين، ولا الطائفيين، ولا القحاب ان يوسموا مجتمعاتهم بصبغة وشبهة وخطاب. وأيضاً لا يمكننا فقط استخدام الخطاب الاعلامي منتهي الصلاحية في آليات التعبير المعتمدة حالياً... والوقت ضيق..
ولا يمكننا أيضاً ادعاء العفة التاريخية، بأن نلجأ إلى طمر أخطائنا السياسية والحكومية والمجتمعية والدينية تحت مسميات مختلفة أهمها اضعاف عزيمة الأمة او خدش حيائها.
لدينا ما يكفي من الامراض والتي يجب ان نسلط الضوء عليها اعلامياً وتدوينها، لنبين للأجيال القادمة أننا لم ندعي العفة، ولا نحن مجتمع مثالي، وأننا حاولنا حل مشاكلنا ضمن مقومات زماننا، وهم سيحكمون ان فشلنا أم نجحنا.
لابد لنا من استراتيجية إعلامية. والى أن نتمكن من وضع استراتيجية إعلامية
أنا مع الأسف مضطر أن أقف مع تجريم رفع العلم السوري فوق محتوى تافه او متطرف...
مشكلتنا ليست مع حرية التعبير والتي من المؤكد أنني معها ، مشكلتنا مع الذاكرة الرقمية العالمية، هي التاريخ يكتب الآن..
هل هذا ما نريده ان يعبّر عن السوري؟ سؤال ملكيته تعود للأجيال السورية القادمة لا لنا ... هو إرثهم .. عن هويتهم..
الاستراتيجية الاعلامية السورية مطلوبة الآن، وإن فشلت الحكومة بعتيدها أن تنجزه، فلا تسقط المسؤولية عن الخبراء السوريين... في كل مكان..
هذا فرض مستقبلي ... وواجب
المصدر:
http://mail.syriasteps.com/index.php?d=134&id=190218