فتَح
إرسال السعودية طائرات محمَّلة بمواد إغاثية إلى مطار حلب الدولي، في
أعقاب الزلزال المدمّر الذي ضرَب سوريا، باب التوقّعات بفتح صفحة جديدة في
مسار العلاقات بين البلدَين، ولا سيما في ظلّ وجود تسريبات عن زيارة قريبة
لوزير الخارجية السعودية، فيصل بن فرحان، لدمشق، وحديث الأخير، في «مؤتمر
ميونخ»، عن ضرورة البدء بحوار مع الحكومة السورية. وكانت سوريا سمحت
لتجّارها، منذ ما قبل وقوع الكارثة، بالاستيراد مباشرة من المملكة، ما رَفع
سقف الآمال بزيادة التبادل التجاري البَيني، الذي لم ينقطع، للمفارقة، على
مرّ سنوات الحرب، وإنْ تراجعت أرقامه.
وسجّلت
الصادرات السورية إلى السعودية رقماً كبيراً قبل اندلاع الأزمة، وصل إلى
140 مليار ليرة، لكنّ هذا الرقم بدأ بالتراجع بعد سنوات، ومع ذلك، ظلّت
البضائع السورية تَدخل من دون منْع إلى السوق السعودية، لتسجّل في الربع
الثالث من العام الفائت 279 مليون ريال، بينما صدّرت الرياض إلى دمشق بقيمة
105.4 ملايين ريال، بحسب «مكتب الإحصاء السعودي». ولا تتوافر أرقام محدّثة
عن حجم التبادل التجاري بين البلدَين، إلّا أنه بحسب آخر تصريح لوزير
الاقتصاد السوري، فإن حركة الصادرات إلى السعودية «جيّدة»، وإن الاستيراد
من المملكة هدفه «تحقيق كلفة أقلّ»
ويُرجع
إياد أنيس محمد، رئيس مجلس إدارة «موسوعة المصدر السوري»، رقم الصادرات
السورية الكبير إلى السعودية، إلى كوْن الأخيرة تُعدّ بالنسبة إلى سوريا
ثاني سوق رئيسة بعد العراق، وميزاتها النسبية تكمن في قربها واتّساعها
وتنوّعها، فضلاً عن أن المنتَج السوري يفضّله السعوديون نتيجة مزاياه
الطبيعية وعدم تعديله وراثياً، كالفواكه والخُضر ولحم العواس وزيت الزيتون
والتوابل والبقوليات وغيرها. ويُضاف إلى ما تَقدّم أن الصناعيين السوريين
يَعرفون أذواق السعوديين وتصاميم الألبسة التي يفضّلونها أكثر ممّا يعرفه
نظراؤهم من أيّ جنسية أخرى.
ماذا بعد؟
بدأت الصادرات
السورية إلى السعودية بالانخفاض بعد عام 2013، جرّاء إغلاق معبر نصيب
ومشاكل منْح «الفيزا» للسوريين. ولذا، كان المُصدّرون يناورون عبر تصدير
منتَجات ذات مزايا نسبية ولا منافس كبيراً لها. ويبيّن محمد أن المستورَدات
من السعودية إلى سوريا كانت تأتي عن طريق الأردن أو مصر، «وهذا يرتّب
تكاليف عالية؛ فالمصدّر أو التاجر كان مضطرّاً لنقل البضائع عبر سيّارات
أردنية أو إماراتية أو سعودية، ليَجري تحميلها بالبضائع السورية أيضاً عند
عودتها»، مضيفاً أن «المملكة تفرض اشتراطات فنّية معيّنة على السيّارات
الداخلة إليها، وهذه الاشتراطات لا تمتلكها كلّ الشاحنات السورية، وبالتالي
يمكن القول إن هدف قرار السماح بالاستيراد مباشرة من السعودية، هو التسهيل
على المصدّر والمستورِد، وتخفيف التكاليف». ويتمنّى محمد عودة التبادل
التجاري بين البلدَين إلى سابق عهده، لكون السعودية سوقاً واعدة وذات
خصوصية عند المصدّرين، «الذين يَعرفون تفاصيلها بدقّة متناهية»، معتبراً
إرسال المملكة طائرات مساعدات إلى سوريا «فرصة لاستئناف هذه العلاقات».
ويتّفق
معه فايز قسومة، رئيس لجنة التصدير في «غرفة تجارة دمشق»، لناحية أهمّية
استعادة العلاقات الثُّنائية، وخاصة بعد قرار السماح بالاستيراد من
السعودية، والذي «سيريح الأسواق ويخفّض الأسعار بحُكم القرب الجغرافي، كوْن
البضائع بين البلدَين معفاة من الجمارك»، موضحاً أن «البضائع السورية كانت
تُصدَّر طيلة سنوات الحرب ولم تتوقّف، لكنها كانت تَدخل إلى الأراضي
السعودية بشاحنات غير سورية، وهذا يزيد التكلفة على المصدّرين
والمستورِدين». ويشدّد قسومة على ضرورة اتّخاذ الحكومة السورية، في
المقابل، قرارات مرنة تدعم التصدير والإنتاج اللذَين «يُعدّان الحلّ الوحيد
لإنقاذ الاقتصاد المحلّي المتعَب وتحديداً بعد وقوع كارثة الزلزال، مع
التركيز على تخفيض التكلفة وجودة المنتَج والاهتمام بالتغليف والتوضيب».
وفي
الاتّجاه نفسه، يؤكد هامس عدنان زريق، المدير السابق لـ«مركز دمشق للأبحاث
والدراسات»، أن «العلاقات التجارية بين البلدَين لم تتوقّف يوماً، وازدادت
أخيراً مع إعادة فتْح الجانب الأردني معبر «نصيب» الحدودي».