لا تزال فرحة الأعياد ناقصة في سوريا. تحضر الحرب المستمرة التي عصفت
بسوريا منذ اثني عشر عاماً في أجواء العيد ولو خرقتها بعض مشاهد الزحمة
ومظاهر الاحتفال. ورغم جمود المعارك في السنوات الأخيرة مع استعادة الدولة
السورية نحو ثلثي مساحة البلاد، إلا أن دخول «قانون قيصر» حيّز التنفيذ منذ
نحو ثلاثة أعوام، وتشديد العقوبات على الحكومة السورية، أثّر على حياة
السوريين ونغّص عليهم معيشتهم وأعيادهم ومناسباتهم.
هكذا،
بات قدوم العيد بالنسبة إلى شريحة كبيرة من السكان هماً إضافياً. إذ تشكّل
الكتلة المادية الكبيرة، التي تحتاج إليها كل أسرة لتلبية متطلبات العيد
من ألبسة وموائد عبئاً زائداً على الحاجات اليومية، التي تعاني أغلب الأسر
في الأساس من صعوبة تأمينها، إثر انخفاض قيمة الليرة السورية أمام الدولار،
ومحدودية الرواتب في القطاعين العام والخاص.
وتفاوتت
مظاهر العيد بين محافظة وأخرى، مع ما أحدثته حوالات المغتربين من فارق
كبير في العديد من المناطق، ولا سيّما في الحسكة، فيما كان النشاط
الاقتصادي الأقل نسبياً في المحافظات التي تأثرت بزلزال 6 شباط المدمر.
إقبالٌ في الحسكة
سهّل
موقع محافظة الحسكة الجغرافي، وملاصقته للحدود التركية، على الآلاف من
سكانها الهجرة، في العامين 2014 و2015. كما أن العامين الأخيرين سجّلا
النسبة الأعلى من المهاجرين باتجاه الدول الأوروبية، بتجاوزهم المئة وخمسين
ألفاً، وفق تقديرات غير رسمية. وانعكس هذا الرقم على الواقع الاقتصادي
لعدد كبير من الأسر، بالاعتماد على الأقارب في الحصول على الحوالات
الخارجية، ما أنشط أسواق العيد، التي شهدت ازدحاماً بدأ مع الأسبوع الثالث
من رمضان. ووسط تقديرات بوصول مبالغ كبيرة من الحوالات الخارجية إلى السكان
من ذويهم المغتربين، شهدت أسواق الحسكة إقبالاً جيداً من الأهالي على شراء
احتياجات العيد. بينما غابت عن الأسواق عوائل أخرى جراء الارتفاع غير
المسبوق في الأسعار.
وفي السياق، أوضح أبو زياد، وهو صاحب محل
تجاري، أن «حركة السوق جيدة وهي أفضل نسبياً عن الأعوام السابقة، رغم
الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها المحافظة»، مؤكداً أن «وجود أعداد
كبيرة من المغتربين من أبناء المحافظة خارج البلاد، وإرسالهم حوالات مالية
لذويهم، أسهما بشكل كبير بتنشيط الحركة التجارية في الأسواق». بدوره، يؤكد
مصدر في شركة الهرم للحوالات، لـ«الأخبار»، أن «أعداد الحوالات الخارجية
تضاعفت هذا العام؛ نتيجة الفروقات المحدودة بأسعار الدولار بين المركزي
والسوق السوداء، ما أدّى إلى الإقبال على التحويل عبر الشركات المرخصة». من
جهته، يقول قصي، وهو أحد العاملين في شركة حوالات ضمن مناطق سيطرة «قسد»،
إن «الكثير من الأهالي يقضون غالبية نهارهم في الأسبوع الأخير من رمضان،
أمام الشركة للحصول على حوالاتهم، بسبب ورود حوالات بأعداد كبيرة إلى مكاتب
الحوالات والصرافة»، لافتاً إلى أن «الحوالات معظمها من ألمانيا وبلجيكا
والنمسا والسويد، وبمبالغ تتراوح بين 100 و500 $ وسطياً». أما وائل، فيبرر
الازدحام الحاصل بالأسواق، أنه «على مبدأ شمّ ولا تذوق، في ظل الغلاء
الكبير في الأسعار؛ أي أن غالبية الموجودين بالأسواق هم عبارة عن متفرجين»،
مؤكداً أن «من لديه مغترب استطاع شراء حاجات العيد، أما الغالبية الأخرى
فتعيش على رواتب حكومية أو خاصة، وغير قادرين على تلبية أدنى متطلبات
العيد».
الزلزال والعيد: حركة بلا بركة!
وفي
المقابل، شهدت محافظات حلب واللاذقية وحماة، التي أثّر الزلزال على الواقع
الاقتصادي العام لسكانها، تراجعاً في النشاط الاقتصادي في الأسواق خلال
الشهرين الأخيرين بشكل ملحوظ. ولم تسلم حتى محافظة حلب، عاصمة البلاد
الاقتصادية، من هذا التراجع، إذ لم يتغير واقع الحال خلال أيام شهر رمضان
المبارك في أسواقها، وحتى خلال تحضيرات الأهالي لعيد الفطر، مع تسجيل تراجع
ملحوظ في حركة البيع والشراء قياساً بالأعوام الفائتة. ويصف إبراهيم
الحركة في الأسواق بأنها «حركة بلا بركة، نتيجة انعدام القدرة الشرائية لدى
الأهالي»، مؤكداً أن «من يحصل على حوالة خارجية سيعيش أجواء العيد، أما من
لا يملك من يرسل له المال من الخارج، فسيبقى ينتظر سلال المعونات إلى جانب
راتبه الضئيل ليتمكن من العيش بقوت يومه».
ولا يختلف المشهد
كثيراً في محافظة اللاذقية، حيث تضرر الكثير من الأبنية والمحالّ، ما اضطرّ
كثيرين إلى استقبال أقاربهم المتضررة منازلهم، ما كلّفهم أعباء مالية
كبيرة. ويقول حسن، صاحب محل بيع ألبسة، لـ«الأخبار»، إن «حركة الأسواق في
أسواق اللاذقية مقبولة قياساً بالظروف القاسية التي عاشتها المحافظة هذا
العام»، لافتاً إلى أن «أسواق الشيخ ضاهر والعنابي تشهد في عشرة رمضان
الأخيرة ازدحاماُ للأهالي». وفق حسن، «الجميع يأخذ حاجاته بالحد الأدنى،
بالاعتماد على الحوالات الخارجية، التي باتت مصدراً وحيداً لفرحة العيد،
للعوائل المتوسطة أو معدومة الدخل». وينطبق الحال نسبياً، على أسواق دمشق
ودرعا جنوب البلاد، والتي تشهد أيضاً ازدحاماً لا يختلف بشكل كبير عن
الأعوام السابقة، مع الإقبال المقبول نسبياً من الأهالي على الشراء،
اعتماداً على حوالات المغتربين.