سيرياستيبس :
رغم سوء الظروف المعيشية انتشرت الأخبار في الآونة الأخيرة حول موضوع استئناف العمل على تصنيع السيارات محلياً في جميع الأوساط، وذلك سعياً إلى تحقيق أحلام شريحة أكبر من المواطنين في امتلاك سيارة من خلال كسر أسعار المستعمل عبر زيادة عرض السيارات الجديدة في الأسواق.
وأكد أحد الخبراء العاملين في قطاع صناعة السيارات في سورية، فضّل عدم الكشف عن اسمه أو شركته، أن صناعة السيارات محلياً كانت تسير بخطواتٍ جيدة، حيث كانت شركة واحدة تضمّ ثلاث صالات (تجميع، ولحام، ودهان)، ثم انضمت شركتان إلى الصالات الثلاث للمصانع المحلية، وبلغ عدد المعامل تسعة في ذلك الوقت، لافتاً إلى أن القرار الشفهي بإيقاف استيراد قطع السيارات أدى إلى تعرّض هذا القطاع لخسائر فادحة ناجمة عن دفع أجور العمال والصالات، وجمود كبير في عمل ورأسمال أصحاب الشركات بعد إنفاقهم مبالغ طائلة على بناء وتحسين منشآتهم، فضلاً عن الرسوم والضرائب، فانخفض عدد الشركات حتى وصل إلى أربع شركات في الوقت الراهن.
وشكك الخبير بأن قرارات وزارة الصناعة وغيرها من الجهات المعنية بالموضوع تعرقل صناعة السيارات، وتجعل منها يوماً بعد يوم أمراً “شبه مستحيل”، حسب تعبيره، فعلى سبيل المثال توسيع المصانع من صالة إلى ثلاث صالات رتّب نفقات ضخمة على المنشآت ليتبعها الآن قرار استئناف التصنيع شريطة تصدير 90% من الإنتاج، وهذا الأمر مستحيل في ظلّ التكاليف العالية للإنتاج محلياً وعدم القدرة على المنافسة في ظلّ الواقع الراهن في أسواق دول الجوار، مشيراً إلى أن غياب التسهيلات أو المنح المقدمة لهذه المشاريع والتي يمكن أن تعوّضها عن فترة التوقف الطويلة التي مرّت بها، إضافةً إلى غياب الثقة بين المصنعين والوزارة بسبب القرارات المفاجئة والصعبة التي تكرّرت خلال عملية سير هذه الصناعة.
وأوضح الخبير أن مبررات ندرة القطع الأجنبي يتمّ إثارتها لإيقاف هذا القطاع.. صحيح أن هذه الصناعة تستهلك القطع الأجنبي، ولكننا بالمقابل نمتلك سوقاً يحوي مجموعة كبيرة من السيارات القديمة، وأحدثها يعود لعام 2010 أو 2011 على الأكثر، وهي سيارات تستهلك القطع الأجنبي أكثر من استيراد قطع السيارات وتجميعها، حيث تحتاج تلك السيارات المستعملة لكميات مضاعفة من الوقود، والزيوت، والدهانات، أما قطع الغيار فهي للأسف تُستورد من سيارات منسقة في أرجاء دول العالم أو قديمة، أو حتى تكون قطع مقلّدة، لأن معظم الدول الصناعية وخاصة كوريا الجنوبية لم تعد تنتج قطع الغيار لسياراتها لفترات تتجاوز الـ 9 سنوات، وعمر السيارات الافتراضي لأغلب السيارات أصبح يحدّد بست سنوات على الأكثر، باستثناء بعض النوعيات الفارهة، وما ذُكر يفسّر لنا سبب الشكاوى الكثيرة من أصحاب السيارات حول تعطل وتلف قطع الغيار المركبة حديثاً، والاضطرار إلى تركيب غيرها في غضون وقت قصير جداً.
واستشهد الخبير بتجربته الخاصة، حيث اضطر إلى تغيير قطعة دوزان لسيارته عدّة مرات في غضون أقل من عام، ووصلت تكلفة تغيير هذه القطعة إلى المليون ونصف المليون ليرة فقط في آخر جولة تبديل لها، وأوضح أن تقديم العون لهذا القطاع يمكننا أن نصفه بالواعد، خاصةً وأنه سيتمّ التوجّه نحو صناعة سيارات كهربائية قليلة الأعطال، ويمكن شحنها عبر استخدام الطاقات البديلة، مشدداً على أمله بقيام وزارة الصناعة بالاجتماع مع جميع المصنّعين والخبراء في هذا القطاع للوقوف على مطالبهم وسماع وجهات نظرهم لتطوير هذا القطاع، والتوصل إلى خفض نسبة التصدير المعلنة كونها كبيرة جداً ومستحيلة التحقق، حيث إنه من غير المنطقي أن يتمّ في كل مرة اتخاذ قرار يتعلق بهذا القطاع دون التشاور مع الصناعيين، وبالتالي صدور قرارات تعنيهم بمعزل عنهم.
عامر ديب، نائب المدير العام لمؤسّسة رجال الأعمال العرب والسوريين صرح بأنه قام بالتواصل مع العديد من مصنّعي السيارات محلياً للوقوف على آرائهم حول قرار استئناف تجميع السيارات “البنزين والكهرباء”، وتأييداً للقرار كونه يفتح مجالاً استثمارياً كبيراً، ويحرّك رؤوس الأموال المحلية والأجنبية، كما يؤمن فرص عمل جديدة لليد العاملة بالتزامن مع تنشيط وزيادة الإنتاج. وصحيحٌ أن تأمين المتطلبات المعيشية للمواطن أولى من استيراد قطع للسيارات، لكن بالمقابل تنشيط هذا القطاع يعني تنشيط الاستثمار وخلق قدرة شرائية من خلال الأرباح المحققة، معتبراً أن قرار استئناف التصدير هو قرار اقتصادي وتجاري واجتماعي شامل.
وشبّه ديب سوق السيارات المستعملة بــ “السرطان” الذي يمتد إلى عملتنا واقتصادنا، بل يُعدّ سبباً رئيسياً في ما نعيشه اليوم، لذلك أصبحت الحاجة ماسة لتفعيل هذا القطاع لخلق توازن في الأسواق التي بتنا نشاهد فيها سيارات شبه منسّقة تُباع بعشرات الملايين، كما أبدى عدم ارتياحه لنسبة التصدير العالية التي اشترطها القرار، والذي يعتبر “مبهماً” فالتصدير برأيه مرادف للثقة، والتي هي أساس العمل التجاري والاقتصادي والاجتماعي، ونتيجة للقرارات السابقة فُقدت الثقة بين المصّنعين السوريين من جهة والصينيين وغيرهم من مورّدي القطع من جهة أخرى، متسائلاً: “كيف نصدّر منتجاً للخارج قبل أن يحظى بثقة الأسواق الداخلية ورضى الزبائن المحليين؟”.
وأشار ديب للبعث : إلى أن إمكانية تصدير السيارات تحتاج لعامين كحدٍّ أدنىى ولضمان استقرار وانسيابية المواد الأولية الداخلة في صناعة السيارات ورفع مدخلات هذه الصناعة محلياً، وأكد أنه اجتمع مع وزير الصناعة وعلم منه أن نسبة التصدير العالية في القرار بُنيت على دراسات مقدّمة من بعض المستثمرين تتضمن أرقاماً مبالغ فيها بنسبة كبيرة لجهة الطاقة الإنتاجية لمنشآت صناعة السيارات، حيث إن هذه الطاقة لا تتجاوز ٢٥٠٠ سيارة “تعمل على البنزين” سنوياً لأكبر معمل، وذلك بحساب متطلبات عمليات التجميع في الظروف الراهنة، فمن المستحيل الحصول على قطع وعِدد وتغطية التكاليف التشغيلية للعملية الإنتاجية في هذه المنشآت لما يفوق هذا العدد من السيارات، باستثناء إن تمّ تجميع “سيارات كهربائية” لأن تجميعها أقل تعقيداً نظراً لبساطة المحرك وعدم وجود علبة سرعة، موضحاً أنه من الممكن في هذه الحالة أن ترتفع الطاقة التشغيلية إلى ٣٥٠٠- ٤٠٠٠ سيارة، مشيراً إلى أن وزير الصناعة وعد خلال اللقاء بمناقشة القرار والعمل على وضعه على المسار الصحيح.
وحول التساؤلات المطروحة أعلاه تواصلنا مع مصدر مطلع في وزارة الصناعة، إلا أنه رفض الحديث بالموضوع دون أي تبرير واضح، واكتفى بالتأكيد أن التوصية الصادرة عن اللجنة الاقتصادية رقم 36 المتضمنة استئناف العمل لشركات صناعة السيارات ذات الصالات الثلاث هي قرار حكومي، وبالتالي تُدرس من أكثر من جهة.
المصدر:
http://mail.syriasteps.com/index.php?d=133&id=196322