سيرياستيبس :
كثيرة هي الماركات العالمية التي تغزو أسواقنا، وبشكل خاص ما يتعلّق بماركات الألبسة أو الأغذية، وهي تصنّع بأيدٍ وطنية وبمعامل محلية، وبإشراف ومتابعة من الشركة الأم، حيث تتدخل عبر مراقبين وخبراء لها يتابعون جودة تلك الصناعة ومتابعتها في الأسواق التي يتمّ توزيعها فيها، وتتخذ إجراءات صارمة، في حال تمّ العبث بشروطها ومميزاتها، قد تصل إلى سحب الوكالة من الشخص ومنحها لمن هم أكثر ثقة والتزاماً بقوانينها.
جودة مختلفة
للأمانة، وبفضل مهارة الصانع السوري، أخذت تلك الماركات شهرة كبيرة،
واستطاعت أن تمثل تلك الشركات الكبيرة بأسلوب راقٍ ومحترف، بل وضاهت في
جودتها الشركات الأساسية، ولم تكن أقل أهمية في صناعتها وتطبيق مواصفاتها
العالمية، حتى إنها نافستها في مجال التسويق والتوزيع، لكن الحرب فرضت
قوانينها على تلك الأسواق، وخاصة في ظلّ الحصار الذي قطع صلة الوصل ما بين
تلك الشركات ورعاياها في بلدنا، حيث لم يعد وجودها في الأسواق يحمل تلك
الميزات والمواصفات المطلوبة.
شبهه وهمية
وبرأي عضو غرفة صناعة دمشق سامر رباطة، فإن تلك الماركات باتت شبه وهمية،
وتعمل ضمن معطيات مختلفة نتيجة شحّ المواد الأولية التي تحتاجها الصناعة
النسيجية على وجه الخصوص لتكون مناسبة لمستوى الجودة، مشيراً إلى غياب
المتابعة من قبل تلك الشركات نتيجة للفوضى الحاصلة في هذا القطاع من ظروف
عمل غير ملائمة لها، بالإضافة إلى صعوبات التسويق والبيع والتزوير الذي
يطال تلك الماركات من بعض المنتجين المستغلين لاسم الماركة وإنتاجها
بمواصفات لا تتناسب مع ما يمثلها في الأسواق الأخرى.
ويوضح رباطة أن غياب حقوق الملكية لتلك الماركات سمح باستخدام تلك الأسماء العالمية واستغلالها دون مراعاة الشروط اللازمة في صناعتها والعبث في مستواها المطلوب والمرغوب لدى الزبائن، وهذا ما تسبّب في إفقادها السمعة الحسنة وخسارة الكثير من الزبائن المهتمين بها ومحبيها، كل ذلك ينطوي تحت غياب حماية الملكية لها في أسواقنا وعدم متابعتها من قبل الفرع الأساسي لها، لافتاً إلى وجود قلّة قليلة من الشركات التي ما زالت تنتج بضائعها في سوقنا المحلية التي استطاعت أن تتجاوز هذه المشكلة وتحافظ على سمعتها، حيث سجلت حماية ملكية لها في البلد وما زالت تراقب منتجها في الأسواق السورية لتحافظ على اسمها وسمعتها أمام زبائنها، ولديها فريق عمل مطلع ومتابع لما يتمّ إنتاجه تحت اسمها العالمي المرتبط بمستوى معيّن لا يسمح المساس به والعبث بنوعيته.
غياب الرقابة
تكمن المشكلة الأكبر لوجود هذه الماركات في سوقنا بتأثيرها على باقي
الصناعات التي تحمل أسماء محلية أكثر جودة وأهمية منها، لكنها على الرغم من
ذلك لا تستطيع أخذ مكانتها الحقيقية أمام تلك المنتجات التي تستغل أسماء
شركات كبرى لتجني أرباحها على حساب المستهلك. وبحسب أمين سرّ جمعية علوم
الاقتصاد الصناعي الدكتور فؤاد اللحام أن استخدام الأسماء العالمية في
الصناعات يدخل أرباحاً كبيرة للمصنّعين لها رغم قلة جودتها وأهميتها
فعلياً، وهذا يضرّ بالمستهلك ويصبح سبباً لاستغلاله وارتفاع الأسعار من دون
وجه حق، ناهيك عن التزوير الحاصل في تلك الصناعات،
أما عن دور غرفة الصناعة في هذا الشأن فقد أوضح اللحام أن هناك جهات عديدة تقع عليها مسؤولية ضبط تلك الحالات، كوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك وهيئة الجودة وغيرها من الجهات التي يجب أن يكون لها دور في معالجة تلك المشكلات، إلا أن هناك أولويات لمتابعة تلك الجهات مما يفتح المجال أمام تلك الفوضى وعدم إيجاد حلول لها، ما يساهم باستمرار استغلال تلك الصناعات للمستهلك وللصناعات الأخرى الأكثر أهمية منها، إضافة إلى ما تفرزه حالة عدم الاستقرار من تلاعب وتزوير وغش.
إعادة المسار
إلا أنه من المنطق والعقلانية عدم الاستسلام أمام تلك الصعوبات وتحدياتها، وليس من المستحيل أمام العقول الاقتصادية الموجودة إيجاد سبل واقعية وجدية لإيجاد طرق تدعم جودة صناعتنا واحترام المستهلك المحلي، لكن يبدو أن التوجّه نحو الحلول الفردية والسعي نحو المصالح الشخصية المؤقتة تعيق إلى حدّ كبير حلول مؤسساتنا وهيئاتنا، وحتى غرف التجارة والصناعة.
ومن وجهة نظر الخبيرة الاقتصادية نور اللبابيدي علينا التركيز في حلّ هذه المشكلة على ما هو مشاع في أسواقنا المحلية، حيث نجد أن دخول البالة وانتشارها بحجة ضعف القدرة الشرائية باتت تضاهي في أسعارها الصناعة الوطنية، وهذا تنافس غير شريف في الأسواق، بالإضافة إلى أن استيراد هذه البالات بالعملة الصعبة يمكن استثماره في توفير مدخلات الإنتاج الصناعي وتوفير المواد الأولية الجيدة للمعامل لدعم مستوى إنتاجها، بحيث تكون منطقية ومعتدلة في جودتها وأسعارها، وبذلك يمكن لنا أن نعيد ألق الصناعة الوطنية والثقة فيها وتوفير فرص عمل حقيقية. وتؤكد اللبابيدي أن ذلك لو حصل يشكل توازناً فعلياً لمواجهة الفساد الحاصل في استغلال الأسماء والماركات العالمية التي تستغل المستهلك وتستنزف ماله، وهي فكرة لا تحتاج إلى جهد أو إمكانيات كبيرة، فمن المؤكد أن الصناعيين لدينا، وخاصة في مجال الألبسة، لديهم خبرة واسعة في عملهم ولا يحتاج ذلك إلا إعادتهم إلى سابق عهدهم لأخذ مكانهم في بناء هذه الصناعة وتوفير متطلباتها الأساسية ضمن مراقبة الأسواق وإيقاف حالات الغش والتزوير الحاصلة حالياً.
والأكثر أهمية، برأي اللبابيدي، هو إعادة ثقة المستهلك بالمنتج الوطني الذي يلائم متطلباته من جهة وقدرته الشرائية من جهة أخرى، فالمستهلك المحلي يحتاج إلى منتج جيد أكثر من المنتج العالمي والماركات المزيفة والمغشوشة ذات الأسعار الخيالية.
نقاط على الحروف
بالمختصر، لا يمكننا تحويل الأزمة الاقتصادية إلى شماعة لنبرر بها
أخطاءنا وعجزنا في إيجاد الحلول ومتابعة الفوضى التي تعتبر مفتعلة في
الكثير من الأحيان، بل أصبحت وسيلة لخلق مشكلات غير حقيقية من أجل منافع
شخصية، وبحسب لبابيدي، يجب أن يكون هناك دراسة حقيقية وعلمية لأسواقنا ووضع
النقاط على الحروف بما يؤمّن صيغة واضحة لما نحتاج فعله لإعادة التوازن في
أسواقنا، فلسنا الوحيدين الذين تعرّضوا للعقوبات الاقتصادية، وهذه الأزمة
عالمية تقريباً، لكن معظم الدول استطاعت تجاوز الكثير من العقبات بجهود
محلية واستمرت في صناعاتها وإنتاجها، وعلى العكس تماماً تحولت المشكلات إلى
حالات إيجابية داعمة للاقتصاد الوطني.
لا شكّ في أن لدينا القدرة على تجاوز كلّ الصعوبات التي نواجهها في صناعتنا
في حال خطّطنا بشكل صحيح وفق رؤية إستراتيجية تتماشى مع واقعنا الحالي.
ميادة حسن
المصدر:
http://mail.syriasteps.com/index.php?d=128&id=197028