من الغريب أن شركة النقل الداخلي في دمشق وريفها لا تزال تتخذ قراراتٍ ارتجالية بعيداً عن التزاماتها المتعلّقة بكونها جزءاً أساسياً من قطاع النقل في البلد، بل بعيداً عن مرسوم تأسيسها أو السبب الذي استُحدثت من أجله، فكثيراً ما ترد شكاوى من المواطنين حول عدم التزام سائقي الشركة بالخطوط المخصّصة لهم، وتبرّر الشركة ذلك بأنها تلقّت طلباً من عمليات المرور بوجوب التوجّه إلى خط آخر لفكّ الاختناق الحاصل في هذا الخط، وبالتالي تسوّغ الشركة عدم التزامها بتركيب الـ جي بي اس بأن ذلك يحقّق لها المرونة في عملها.
ذريعة للسائقين
وفي الحقيقة، لا يبدو أن هذا الجزء من الحديث دقيق، حيث تحوّل الأمر إلى ذريعة للسائقين جميعاً لتغيير الخطوط بدعوى أن هناك طلباً من عمليات المرور يفيد بضرورة انتقال الباص إلى العمل على خط آخر بشكل مفاجئ، وهذا ما يثير استغراب الكثير من المواطنين الذين يجدون أنفسهم بعد أن اعتادوا على وجود باصات نقل داخلي في منطقتهم، مضطرين إلى البحث عن وسائل أخرى للنقل بتكلفة باهظة.
وعلى ما يبدو أن التداخل في عمل الشركة العامة للنقل الداخلي بين محافظتي دمشق وريفها أتاح هامشاً كبيراً للتلاعب في هذا الجانب، وخاصة مع عدم وجود تنسيق بين مسؤولي النقل في المحافظتين، حيث ترتبط الشركة مباشرة بمحافظة مدينة دمشق على اعتبار أنها هي التي تزوّد الباصات بالوقود، الأمر الذي يؤدّي تلقائياً إلى تهميش دور محافظة الريف في الإشراف على الباصات العاملة في المحافظة أو مراقبتها.
شكاوى عديدة
في هذا السياق، وردت شكوى من المواطنين المقيمين في بلدة عرطوز تفيد بأنه تمّ تخصيص أربعة باصات نقل داخلي حكومية للبلدة بطلب من مجلسها، وبالمقابل طلبت بلدية جديدة عرطوز المجاورة أربعة باصات وتمّ تخصيصها بها عبر شركة نقل داخلي خاصة، وهي طبعاً خاضعة بالمحصلة لقرار مجلس النقل في المحافظة وملتزمة بكل ما يصدر عنه في هذا الشأن، حيث تمّ تحديد الخط للشركتين بشكل واضح، ففي الوقت الذي تذهب به الشركة الخاصة إلى ناحية الجديدة ويكون موقفها الأخير عند موقف البحرة، تواصل الأخرى سيرها بخط مستقيم إلى بلدة عرطوز وينتهي خطها عند مفرق كوكب، وتمّ تحديد التعرفة للطرفين بمبلغ ألف ليرة سورية.
مشهد غريب
وفي مشهد غريب يتمّ سحب باصات شركة النقل الداخلي المخصّصة لبلدة عرطوز تدريجياً لتحلّ محلّها باصات شركة النقل الخاصة وبعدد أكبر، وتقوم الأخيرة بفرض تعرفة خاصة على الركاب، حيث تتقاضى مبلغ 1500 ليرة إلى مفرق جديدة عرطوز وتتابع المسير إلى عرطوز بمبلغ 2000 ليرة، وإذا اعترض أحد الركاب على ذلك، لا يتوانى السائق عن تنزيل الركاب عند مفرق الجديدة، إيحاء بأن هذا الراكب هو المتسبّب في الإضرار بهم، والغريب أن الركاب بالفعل يوجّهون اللوم له بدلاً من الامتعاض من ابتزاز الشركة الناقلة لهم.
التعاطي مع الشكوى؟
الغريب في الموضوع بكل بساطة، أن أحد المواطنين قدّم شكوى عبر لجنة السير الفرعية في ناحية جديدة عرطوز بداية الشهر الثاني لتصل إلى قيادة منطقة قطنا برقم 682 وتاريخ 11/3/2024 وبدورها تحيلها إلى قيادة شرطة محافظة ريف دمشق برقم 3588 وتاريخ 20/3/2024، وبعد عرضها على مجلس المحافظة يقوم الأخير بتحويلها إلى مديرية حماية المستهلك برقم 4238/و وتاريخ 1/4/2024، حيث أسقط في يد الأخيرة ولم تعرف ماذا تصنع في الشكوى التي هي في الحقيقة ليست من اختصاص الحماية، فهل ستحقق مديرية حماية المستهلك في تواطؤ الشركة العامة للنقل الداخلي مع الشركة الخاصة على إخلاء الخط وزيادة التعرفة بخلاف قرار مجلس النقل، أم ستقوم ضمن صلاحياتها بمخالفة السائقين على زيادة التعرقة وتترك موضوع تغيير الخط لإدارة المرور التي يجب أن تكون على اطلاع تام بحركة هذه الباصات على الخطوط؟.
وبعد أن أعلنت حماية المستهلك أنه ليس من اختصاصها التعامل مع الشكوى بمضمونها الحقيقي، أعيدت كتابتها مرة أخرى وتمّ توجيهها على شكل معروض إلى مجلس النقل في المحافظة بتاريخ 9/5/2024 لتُحال من اجتماع مجلس النقل في المحافظة إلى هندسة المرور، وتقوم الأخيرة بإرسالها إلى مديرية النقل التي يتعيّن عليها محاسبة شركة النقل الداخلي على تجاوزاتها السابقة، في الوقت الذي أصرّ فيه مدير النقل في ريف دمشق على أن توجيه الشكوى لا يجب أن يتمّ إلى المديرية لأنها جهة خدمية تتعامل فقط مع ترسيم السيارات ومنح اللوحات ونقل ملكية السيارات، وما إلى ذلك من الأمور الفنية، الأمر الذي يطرح مجموعة من التساؤلات حول الطريقة التي يتمّ من خلالها التعاطي مع الشكاوى المقدمة إلى الجهات الرسمية.
لم ترد أي شكوى
هيثم غنيم رئيس بلدية جديدة عرطوز أكّد أن لا علم له مطلقاً بقيام الباصات المخصّصة للناحية بتغيير خطها، أو بتقاضي تعرفة زائدة، مشيراً إلى أنه لم ترد إلى المجلس أي شكوى بهذا الشأن، وأن المجلس عالج شكاوى مقدّمة على أصحاب السرافيس الذين لا يقومون بإتمام الخط حتى نهايته في موقف البحرة بالتعاون مع لجنة السير الفرعية في الناحية، أما موضوع الباصات العاملة على خط جديدة عرطوز فلا علم له به.
أما رئيس بلدية عرطوز خليل بخيت فقد أكد أن الباصات تقوم بتخديم البلدة، وأن لديه أرقام لوحاتها، ولكنه لا يعلم أن الباصات المخصّصة للبلدة أصلاً هي باصات نقل داخلي حكومية، وليست باصات الشركة الخاصة التي زوّدنا بأرقامها، ولا حتى عن تقاضي تعرفة زائدة من الركاب، وأن الطلب تمّ من المجلس المحلي السابق، ولا يعرف فعلياً ما هي الباصات التي يجب أن تخدّم البلدة، لكنه أشار إلى أنه مستعدّ للتعاون في هذا الشأن لإصلاح الخلل.
الشركة لا علم لها!
وخلال حديث “البعث” هاتفياً مع محمد أبو رشيد مدير شركة النقل الداخلي في دمشق وريفها، أفاد بأن باصات الشركة المخصّصة لبلدة عرطوز لا تزال تذهب إلى هناك، ولا صحّة لما يقال عن عدم وصولها إلى البلدة، ولا توجد شركة خاصة على الخط، وعند تأكيدنا أنه لا يذهب أيّ باص من باصات الشركة إلى البلدة، أشار إلى أنه تلقّى نص الشكوى وسيقوم بمعالجتها، والبحث عن السبب وراء عدم ذهاب السائقين إلى بلدة عرطوز، مؤكّداً أنه سيعالج المشكلة.
ومدينة قطنا أيضاً
بدورها رئيسة مجلس مدينة قطنا نورهان عمران أكدت أن شركة النقل الداخلي أرسلت أربعة باصات نقل داخلي إلى المدينة بطلب من المجلس، غير أن هذه الباصات لا تحضر مطلقاً إلى مدينة قطنا، رغم مناشدات مجلس المدينة، وأنه لا يعمل من باصات النقل الداخلي في المدينة سوى باص مخصّص لطلاب الهمك، وآخر مخصّص للموظفين.
بالمختصر، الوقائع اليومية، وشهادة المواطنين تؤكدان أن باصات النقل الداخلي المخصّصة لبلدة عرطوز تعمل حالياً على خط الدوار الجنوبي، وأنه لا يوجد من يراقب حركة الخط فعلياً .
على ما يبدو أن المعنيين يفكرون بالجدوى الاقتصادية على حساب خدمة الركاب، علماً أن الباصات تحصل يومياً على مخصّصات معينة تصل إلى 120 ليتراً وتغطي ثماني رحلات يومياً من البرامكة إلى عرطوز، بمعدل ثمانين راكباً للرحلة الواحدة مع التبديل أثناء الطريق، بينما يغطي الباص نفسه عدد رحلات أكبر على خط الدوار الجنوبي مع معدل ركاب مضاعف لكثرة التبديل على الخط.
والسؤال: كيف استقام أن تنسحب شركة النقل الحكومية من خدمة خط تمّ فتحه بقرار من مجلس النقل في المحافظة لمصلحة شركة نقل خاصة تقوم بتغيير خطها ومضاعفة التعرفة دون أن يكون هناك اعتراض من لجنة السير الفرعية؟ وهل تمّ ذلك بالفعل دون علم مسبق من الشركة العامة؟ وأين إدارة المرور من هذه المخالفة الصريحة؟ والسؤال ذاته أيضاً يمكن أن يكون برسم المحافظة المسؤولة عن شركة النقل الداخلي وهي محافظة دمشق بحكم تبعيّتها المباشرة لوزارة الإدارة المحلية؟.
البعث
المصدر:
http://mail.syriasteps.com/index.php?d=127&id=198906