ضج القطاع الصيدلاني مؤخراً بخبر دخول أحد التطبيقات الإلكترونية الخاصة بتوصيل الدواء عبر الجوال نطاق العمل الفعلي، كحلقة وسيطة بين المريض والصيدلاني، في إبعاد وتهميش لدور الصيدلاني العلمي المفترض، بحسب بعض الصيادلة!
التطبيق
الإلكتروني الجديد، باسم شركة Rocheta محدودة المسؤولية، حصل على موافقة
وزارة الاتصالات والتقانة، والهيئة الناظمة للاتصالات والبريد، وعلى لا
مانع من وزارة الصحة، ثم بعد رد وصد مع نقابة الصيادلة في سورية حصل على
موافقتها أيضاً!
التطبيق هو الأول من نوعه في سورية، وعمره الزمني في
الاستثمار لم يتجاوز بضعة أشهر فقط، مع تسجيل الكثير من التساؤلات من قبل
الصيادلة عن الشركة المحظية صاحبة الامتياز في تشغيله وجني عائداته الربحية
السهلة على حسابهم، وبموافقة الجهات المعنية، على الرغم من مخالفته لأنظمة
وضوابط المهنة!
من جملة الاعتراضات، التي ضج بها القطاع الصيدلاني على هذا التطبيق أنه يخالف النظام الداخلي لنقابة الصيادلة في سورية!
فوفقاً
للمادة 82 من النظام الداخلي لنقابة صيادلة سورية «يحظر على الصيدلي أن
يروج لمنشأته الصيدلانية عن طريق الإعلان والنشر، وأن يسعى مباشرة أو
باستخدام الوسطاء لجلب الزبائن واستغلال المهنة، ويحق للمنشأة الصيدلانية
أن تعلن عن موقعها بعد أخذ موافقة مجلس الفرع المختص ولمدة محددة».
واستناداً
إلى هذه المادة، وعلى ضوء الضجيج الذي أحدثه التطبيق الجديد في الأوساط
الصيدلانية، وجه رئيس فرع دمشق لنقابة الصيادلة الدكتور الصيدلاني حسن
ديروان كتاباً إلى الصيادلة المنتسبين إلى فرع دمشق يتضمن التالي:
«استناداً إلى القوانين الناظمة لمهنة الصيدلة والتي تنص على منع الترويج
للصيدليات والمستحضرات الدوائية والتجميلية الموجودة في الصيدلية، ومنع
الحسومات على الأسعار المحددة من قبل وزارة الصحة، ومنع توصيل هذه
المستحضرات. لذا يطلب منكم عدم التعامل بأي شكل من الأشكال مع أي تطبيق
غايته الترويج أو إيصال المستحضرات، لأن ذلك يخالف القوانين الناظمة لمهنة
الصيدلة، ويعرّض الصيدلي المتعامل مع هذه التطبيقات للمساءلة القانونية
والمخالفات المسلكية».
لكن بتاريخ 12/6/2024، وعلى عكس ما هو متوقع، تم
توجيه كتاب مسطر من نقابة صيادلة سورية، بتوقيع نقيب الصيادلة الدكتورة
وفاء كيشي، إلى كل من رئيس فرع دمشق وريف دمشق لنقابة الصيادلة يتضمن
الآتي: «بعد التشاور مع وزارة الصحة والهيئة الناظمة للاتصالات والبريد في
الجمهورية العربية السورية والاجتماع مع شركة روشيتا محدودة المسؤولية
لتوصيل الدواء تقرر ما يلي: يسمح للصيدليات بالتعاقد مع هذه الشركة ضمن
الشروط الآتية: تتقاضي الشركة من الصيدلي المتعاقد معها عمولة من إجمالي
سلة المبيعات- تتعاقد الشركة مع الصيدليات المرخصة أصولاً من وزارة الصحة-
تتعهد الشركة بتوزيع طلبات الأدوية بشكل إلكتروني تام دون أي تدخل بشري بما
يضمن العدالة المنسجمة مع المسافة الجغرافية بين الصيدليات، مع العلم أنه
لدى النقابة اطلاع كامل على سير هذه العملية، وتزود النقابة أسبوعياً بنسخة
عن العقود المبرمة بين الصيدلي والشركة».
فهل مورِس على نقابة الصيادلة
بعض الضغوط من قبل الشركة المحظية صاحبة التطبيق أو من سواها، بحيث رضخت
وتجاوزت نظامها الداخلي صراحة بهذا الشكل؟!
، فاستراتيجية الشركة صاحبة التطبيق الإلكتروني أولاً وأخيراً هي
الحصول على الأرباح السهلة والسريعة فقط لا غير!
وتجدر الإشارة إلى أن
البحث عن تفاصيل الشركة ا صاحبة التطبيق الإلكتروني لم يجدِ نفعاً،
فعلى موقعها الإلكتروني أو على صفحتها الرسمية الخاصة على «فيسبوك» لا يوجد
لها مقر معلن عنه، كما لا معلومات عن ترخيصها وعن أسماء مؤسسيها أو
القائمين على عملها، بل جل ما هناك ترويج وتسويق للتطبيق فقط لا غير!
اعتراض الصيادلة لم يقف عند
تجاوز التطبيق النظام الداخلي لنقابتهم، إلى أن الشركة صاحبة
التطبيق ستقتطع عمولتها من حساب الصيدلاني، وليس على حساب المستفيد من
خدمات التطبيق، كما هي عليه العادة في التطبيقات الشبيهة!
أما الجانب
الأكثر أهمية على مستوى الاعتراضات فهو الجانب العلمي التخصصي للصيدلاني
ارتباطاً بمهامه وحدود مسؤولياته وواجباته، وخاصة ما يتعلق بسلامة صحة
المريض التي ضرب بها بعرض الحائط!
فالتطبيق من الناحية العملية همش دور
الصيدلاني في صلته المباشرة بالمريض، كما تغاضى عن ضرورة وجود الوصفة
الطبية، حيث بالإمكان تحميل صورة الدواء على التطبيق ليصل إلى صاحب
العلاقة، وهذا ورد بكل وضوح على صفحة التطبيق كترويج ودعاية!
على ذلك
فإن التطبيق لا يشكل تهديداً لمهنة الصيدلة والمختصين المؤهلين علمياً بها،
أو التعدي على اختصاص هؤلاء وهضم بعض حقوقهم فقط، بل فيه تعدٍّ على صحة
المريض نفسه!
فسوق الدواء يعاني سلفاً من الفوضى ومن وجود أصناف دوائية
مزورة ومقلدة ومهربة مجهولة المصدر، ومن انفلات بالأسعار وغياب الرقابة
عليها، فكيف مع مثل هذا التطبيق الذي يفسح المجال لمزيد من الفوضى بكل ما
سبق من بوابة المنافسة، على حساب سمعة المهنة والعاملين فيها، والأهم على
حساب صحة المريض!
أما عن المحاذير بحسب بعض الصيادلة أن هذا التطبيق لم
يتجاوز ضرورة وجود الوصفة الطبية فقط، بل تجاوز سن طالب الدواء أيضاً، فبكل
أريحية من الممكن لليافعين، وحتى الأطفال، أن يحملوا التطبيق على جولاتهم
ويطلبوا ما يريدون من الأدوية والعقاقير كي تصلهم «ديليفري» دون عناء!
فالتطبيق يفتقد أدوات التحقق من الوصفة الطبية، كما يفتقد أدوات التحقق من سن المتعامل معه!
وبحسب
بعض الصيادلة كان أولى قبل الموافقة على الترخيص للشركة لبدء
العمل بالتطبيق ووضعه بالخدمة من خلال بعض الصيدليات التي تعاقدت معها، أن
يتم تدارك الكثير من الملاحظات والمحاذير والسلبيات فيه، بما في ذلك طبعاً
تعديل ما يجب تعديله في التطبيق نفسه بخياراته وتبويبات عناوينه الداخلية،
بالإضافة إلى ما يجب تعديله من قوانين وتعليمات وأنظمة عمل خاصة بالمهنة،
وبما يضمن حقوق العاملين فيها!
إيصال الأدوية عبر بعض
التطبيقات الإلكترونية ليس جديداً، وغايته تقليل حاجة المريض إلى الذهاب
للصيدلية وذلك من خلال تسهيل وصول الدواء الآمن والمضمون والمراقب إليه
بسرعة وبدون عناء، والشريحة المستهدفة من هذه التطبيقات بشكل أساسي هي كبار
السن، ومن يحتاج إلى أدوية مستمرة من أصحاب الأمراض المزمنة.
وتخضع هذه
التطبيقات عادة لمراقبة ومتابعة لصيقة من قبل الجهات الرسمية المخولة بذلك
بكل دولة، خاصة مع ما توفره من قاعدة معلومات رقمية عن حركة سير الدواء من
المنتج وصولاً إلى المستهلك، ولها كذلك ما يحكمها ويضبطها على المستوى
الدولي، وخاصة للأدوية والعقاقير المقلدة والمزورة وغير المشروعة، أو ذات
الطبيعة الخاصة التي تدخل ضمن تصنيفات الزمر المخدرة، مع تتبع مصادر
تمويلها وحركتها، وهو ما تعمل عليه منظمة الإنتربول ومنظمة الجمارك الدولية
والمنتدى الدائم المعني بالجرائم الصيدلانية الدولية، والفريق العامل
لموظفي إنفاذ القانون الذي شكله رؤساء وكالات الأدوية، وقطاع صناعة
الأدوية، والقطاع المسؤول عن أنظمة الدفع الإلكتروني، وغيرها من الجهات
المعنية ذات الصلة بكل دولة من خلال بعض العمليات المشتركة المنفذة!
وقد
زاد انتشار هذه التطبيقات خلال السنين الماضية، وخاصة بعد موجة انتشار
فيروس كورونا الأولى، التي فرضت الإغلاقات العامة وأنماط العزل الاجتماعي،
وكان لها أثر ونتائج إيجابية لا يمكن نكرانها!
وتتيح مثل هذه التطبيقات المزايا التالية:
عدم حاجة المريض إلى مغادرة منزله، حيث يمكنه طلب دوائه من منزله وضمان وصوله إليه بدون عناء.
توفر
هذه التطبيقات إمكانية معرفة المريض لسلة واسعة من الأدوية وأصنافها
وزمرها، مع تفاصيل معلوماتها واستخداماتها، وكذلك لخارطة الصيدليات الأقرب
إليه جغرافياً.
توفر كذلك إمكانية المقارنة السعرية بين الأدوية بحسب مصدرها، لتحديد ما يناسب مستخدم التطبيق منها.
تتيح بعض هذه التطبيقات إمكانية الحصول على بعض الحسميات، بالإضافة إلى الاستفادة من العروض الترويجية التي تتيحها بين الحين والآخر.
وبالنسبة
للصيدليات فإن هذه التطبيقات تمكنهم من الوصول إلى مجموعة أوسع من العملاء
المفترضين، من خلال اشتراكهم بها كأداة تسويق وترويج إلكترونية، مع
إمكانية تقديم عروضهم الخاصة لجذب المزيد من العملاء.
تقدم بعض
التطبيقات الإلكترونية خدمات إضافية مثل تذكير المريض بمواعيد الأدوية، أو
التذكير بآخر مرة تم شراء دواء بها بغاية الاستدراك عند الوصول إلى حد
إعادة الطلب، وغيرها من الخدمات ذات الطابع الشخصي ارتباطاً بالداتا التي
يتم جمعها عن المرضى عملياً، وهي على ذلك سلاح ذو حدين!
تطبيقات إيصال
الطلبات عموماً توفر فرص عمل إضافية تتمثل بشريحة القائمين على عمليات
توصيل الطلبات، لكنها فرص عمل هامشية وبأجور زهيدة وبلا أية ضمانات للحقوق
أو تعويضات أو أية مزايا إضافية!
فهل يقدم التطبيق المستجد على ساحة القطاع الدوائي المحلي ما سبق أعلاه من ميزات وايجابيات، أم تطغى عليه السلبيات أكثر؟!
الدواء ليس سلعة عادية كي تترك
لأنماط المتاجرة والمنافسة السائدة بغاية تحقيق الأرباح والمزيد منها، تحت
عناوين العرض والطلب أو من خلال أنماط الدعاية والترويج، بل هو سلعة خطيرة
بخصوصيتها، وخاصة بمحاذيره وعوامل الأمان المفترضة فيه، والمسؤولية العلمية
والطبية حيال ذلك، والمحكومة بقوانين وأنظمة وضوابط ناظمة للمهن المرتبطة
به كقطاع دوائي وطبي، أطباء وصيدلانيين ومعامل دوائية ومستودعات أدوية
ومستوردين، بما في ذلك ما يضمن حقوق العاملين في هذا القطاع ويصون كرامتهم،
وبما يضمن بالوقت نفسه صحة وسلامة المريض، على اعتباره ليس مستهلكاً
عادياً بل مستهلك خاص يلجأ إلى سوق الدواء اضطراراً وليس ترفاً، وبموجب
وصفة طبية افتراضاً!
فهل بات من الطبيعي استغلال هذا الاضطرار وتجييره
لتحقيق المزيد من الأرباح، عبر المنافسة أو الترويج والدعاية، أو من خلال
الاحتكار؟!
فالتطبيق الالكتروني الجديد الوافد على السوق الدوائي المحلي
بواقعه الراهن من الناحية العملية يفسح مجالاً إضافياً للتنافس على نسب
الربح من الدواء من خلال الدعاية والترويج، وما تمت تسميته «كودات حسم»
لتحميله واستخدامه بحسب النمط الترويجي له عبر الصفحة الخاصة به!
ومع
عوامل الاستغلال المنفلتة، وفي ظل غياب آليات الرقابة الجادة، ستظهر آفات
التسيب والانتهازية، وصولاً إلى التضحية بأخلاقيات المهنة وضوابطها، مع
تكريس سلوكيات شاذة غايتها الحصول على المزيد من الأرباح، وخاصة من خلال
فسح المجال لتداول وبيع المستحضرات الطبية المزورة والمقلدة أو المهربة
مجهولة المصدر، غير الأدوية والمستحضرات الطبية المقننة بالبيع بموجب وصفة
طبية معتمدة وعلى مسؤولية الصيدلاني، مثل الأدوية المسكنة ببعض أصنافها
وزمرها التي تصنف كمخدرات مخففة أو مركزة، أو بعض الأدوية الخاصة بالأمراض
النفسية وأمراض الاكتئاب كمهدئات عصبية نفسية، وغيرها من الأصناف والزمر
الدوائية ذات الخصوصية بمحاذيرها وطرق ونسب تعاطيها من قبل المرضى، وذلك
تبعاً لوصفة الطبيب وبمعرفة الصيدلاني، وطبعاً كل ذلك بغاية تحقيق الربح
السهل للشركة المحظية صاحبة التطبيق ومستثمرته، وعلى حساب هوامش ربح
الصيدلاني بحسب ما ورد أعلاه من اشتراطات للتعاقد معها، وربما على حساب صحة
المريض بالنتيجة!
المصدر:
http://mail.syriasteps.com/index.php?d=128&id=199170