المؤشر السعودي في عين العاصفة... فماذا وراء نزف الأسهم؟
06/08/2025
سيرياستيبس
كتب الاعلامي غالب درويش
شهدت سوق الأسهم السعودية "تداول" تراجعاً ملحوظاً منذ تعاملات بداية عام 2025، مما أثار قلق المحللين والمؤسسات المالية، ووصفته "فايننشيال تايمز" أخيراً بأنه من بين الأسواق المتراجعة.
وجاء هذا التراجع وسط ضغوط بيعية وتراجع في ثقة بعض المستثمرين، تزامناً مع تطورات الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وتوالي إعلان غالب الشركات الكبرى عن نتائج مالية دون التوقعات.
تفاقم الخسائر
منذ بداية العام الحالي فاقمت بورصة السعودية "تاسي" خسائرها السنوية لتتجاوز تسعة في المئة، وخسرت نحو 7.2 في المئة خلال الربع الثاني من عام 2025، مسجلة ثالث خسارة فصلية على التوالي.
وعلى رغم ارتدادها صعوداً بنسبة 0.4 في المئة في نهاية تعاملات أمس الإثنين، مدعومة بأسهم كبرى من القطاع المصرفي والبتروكيماويات.
على الصعيد ذاته أشارت بيانات "بلومبيرغ إنتلجنس" إلى انخفاض المتوسط اليومي لقيمة التعاملات في البورصة السعودية بأكثر من 30 في المئة إلى 1.5 مليار دولار خلال الربع الثاني من عام 2025.
وقال محللون لـ"اندبندنت عربية" إن أداء سوق الأسهم السعودية تأثر بعوامل خارجية وداخلية معقدة أدت إلى تراجع المؤشر العام، وتتمثل العوامل الخارجية في التوترات الإقليمية والدولية والتقلبات الاقتصادية العالمية التي أثرت في أسعار النفط، مما انعكس مباشرة على أداء الشركات في قطاعي الطاقة والبتروكيماويات، اللذين يشكلان جزءاً كبيراً من السوق السعودية.
أما على الصعيد الداخلي فيشير المحللون إلى أن تراجع نتائج أعمال بعض الشركات الكبرى، خصوصاً في قطاع البتروكيماويات، أثر سلباً في جاذبية السوق وثقة المستثمرين. وأدت زيادة عدد الشركات المدرجة وعمق السوق إلى تشتيت اهتمام المتداولين، مما أسهم في عزوفهم عن الدخول في ظل غياب محفزات قوية تدعم الصعود.
فنياً، أكد المحللون أن المؤشرات الخاصة بالسوق المالية السعودية تظهر استمرار الضغط البيعي، إذ ما زال المؤشر العام "تاسي" يقترب من أدنى مستوياته السنوية، وبقي دون المتوسطات المتحركة المحورية، مما يعكس مزاجاً سلبياً بين المتداولين.
وأوضحوا أن القطاعات الأكثر تأثراً بالعوامل الخارجية في الفترة المشار إليها كانت قطاع الطاقة المرتبط بأسعار النفط وقطاع البنوك المرتبط بأسعار الفائدة، الأكثر انخفاضاً بنسب تراوحت ما بين سبعة و12 في المئة، ليأتي ذلك على رغم تحقيق البنوك المدرجة أعلى أرباح فصلية مجمعة على الإطلاق، مما يبرز التناقضات التي تشهدها السوق.
ضغوط الأحداث
ويرى المستشار المالي في "المتداول العربي"، محمد الميموني، أن السوق المالية السعودية تراجعت منذ بداية عام 2025 نتيجة لضغوط الأحداث الجيوسياسية والتغيرات الاقتصادية، إضافة إلى تراجعات في نتائج الشركات، بخاصة في قطاع البتروكيماويات الذي شهد تراجعاً واضحاً، خصوصاً في شركة "سابك".
ويضيف أن تزايد عدد الشركات المدرجة أسهم أيضاً في عزوف المتداولين، ودفعهم إلى التوجه إلى أسواق مالية أخرى مجاورة وعالمية.
ويشير الميموني إلى وجود إشارات فنية تدل على استمرارية الضغوط البيعية، فمنذ أن تجاوز المؤشر العام مستويات 11 ألف نقطة، وهو يسير باتجاه هابط على جميع الأطر الزمنية.
وأضاف أن هناك إشارات تدل على أن المؤشر سيعود إلى ملامسة مستوى 10600 نقطة الذي يعتبر من مناطق القيعان السابقة التي ارتد منها.
وأكد أن نتائج الشركات من العوامل المؤثرة بصورة رئيسة في أداء السوق المالية السعودية في تلك الفترة من العام الحالي، وذلك على رغم وجود نوع من التطمينات الجيدة التي تحدث، إلا أنها كانت لها ضغط واضح وحاد على أداء المؤشر العام "تاسي".
عوامل معقدة
بدوره أكد نائب رئيس مجلس إدارة شركة "مباشر كابيتال هولدنج للاستثمارات المالية"، إيهاب رشاد، أن تراجع سوق الأسهم السعودية منذ بداية عام 2025، الذي صنفته "فايننشيال تايمز" كأحد أسوأ أداءات الأسواق العالمية، يعكس تداخل عوامل معقدة.
وأوضح أن انخفاض مؤشر "تاسي" بأكثر من تسعة في المئة وتردد المستثمرين نحو الطروحات الجديدة (التي لم تتجاوز مكاسبها أربعة في المئة مقارنة بـ27 في المئة العام السابق) يظهر تراجعاً حاداً في الثقة.
وأكد أن استمرار الضغط البيعي، إذ اخترق المؤشر متوسطاته المتحركة الرئيسة، وامتدت الموجات البيعية حتى للقطاعات الدفاعية كالبنوك والطاقة، بخاصة مع غياب محفزات من نتائج الشركات أو السياسات. ولفت إلى أن نتائج الربع الثاني لشركات كبرى مثل "سابك" جاءت دون التوقعات، مثلما خيبت التوزيعات النقدية آمال المستثمرين، مما فاقم حدة البيع.
وأشار إيهاب رشاد إلى دور العوامل الخارجية البارز، كتراجع النفط دون 60 دولاراً وارتفاع أسعار الفائدة عالمياً، مما دفع الصناديق الدولية لتقليل انكشافها على السوق السعودية. ولفت إلى أن كلفة السيولة المرتفعة على رغم المبادرات الحكومية وغياب مؤشرات ملموسة عن تأثير خطط التنمية مثل "رؤية 2030" في أرباح الشركات، يطرحان تساؤلات حول جدوى التعافي القريب، ما لم تعالج هذه التحديات المتشابكة بخطوات استباقية.
نقص محفزات
من جانبه يرى المحلل المالي ومدير وحدة "أرقام بلس"، حجاج حسن، أن الانخفاض المتباين الذي شهدته السوق المالية السعودية أخيراً يعود إلى عوامل عدة.
وأوضح أن ذلك يعود في المقام الأول إلى نقص في المحفزات الأساسية التي تدعم الزخم الإيجابي، بخاصة مع صدور النتائج المالية للربع الثاني من العام الحالي التي جاءت دون التوقعات لكثير من الشركات الكبرى، وفي مقدمها "سابك".
وأوضح أن هذا الأداء المالي الضعيف أدى نسبياً إلى تراجع اهتمام المؤسسات والمستثمرين الكبار، مما تسبب في تقلبات حادة وتراجع تدريجي في المؤشر العام.
وأشار إلى أن تأثير الرسوم الأميركية والتوترات الجيوسياسية المتصاعدة في المنطقة، وتحديداً في البحر الأحمر وعلى حدود بعض الدول المجاورة، من العوامل الرئيسة التي أدت إلى زيادة حذر المستثمرين، وبين أن ذلك أدى إلى ارتفاع مستوى عدم اليقين في شأن قطاعات حساسة مثل النقل والبتروكيماويات.
وأوضح أنه على رغم أن الأساسات الاقتصادية للمملكة لا تزال قوية، فقد أصبحت السوق أكثر انتقائية، وأكد أن المستثمرين ينتظرون محفزات نوعية جديدة، مثل زيادة الإنفاق الحكومي أو تحسن نتائج الشركات المتبقية من الربع الثاني من العام الحالي، مثل عملاق النفط "أرامكو" وبعض الشركات المتوسطة، بخاصة شركات النمو أو شركات العوائد.
تراجع حاد
على الصعيد ذاته أشارت تقارير صادرة من شركات أبحاث وأبرزها شركة "الجزيرة كابيتال" التي أوضح أحد تقاريرها أن أرباح بعض الشركات المدرجة بالبورصة السعودية تراجعت بصورة حادة، وبخاصة في قطاع البتروكيماويات. وأشارت إلى أن هذا التراجع كان له تأثير سلبي في أداء السوق بصورة عامة، على رغم الأداء القوي لقطاعات أخرى مثل البنوك والمعادن.
وأكدت شركة الأبحاث أن الأحداث الجيوسياسية العالمية منذ بداية العام الحالي أسهمت في خلق حال من عدم اليقين، مما أثر في معنويات المستثمرين.
وأوضحت أن السوق المالية السعودية شهدت في تلك الفترة من العام الحالي تأثراً بأسعار النفط، التي تعتبر عاملاً رئيساً في أداء الاقتصاد السعودي والشركات المدرجة ذات الصلة.
وتوقعت أن يظل المؤشر العام (تاسي) يتداول دون متوسطاته المتحركة المحورية، مما يشير إلى استمرار الضغط البيعي من الناحية الفنية.
ماذا وراء استمرار هبوط السوق؟
يؤكد مستشار الاستثمار والمتخصص في الشأن الاقتصادي الدكتور خالد الدوسري أن استمرار هبوط السوق السعودية من الشهر الماضي وحتى بداية أغسطس (آب) الجاري يعكس مجموعة من العوامل المركبة والاقتصادية والمالية والنفسية، على المستويين المحلي والدولي، ومن أبرز الأسباب المحتملة ضعف المحفزات المحلية على رغم موسم الإفصاح، فعلى رغم دخول السوق في موسم إعلان نتائج الربع الثاني، فإن النتائج الصادرة لم تكن محفزة بما يكفي، بل إن بعض الشركات الكبرى مثل "سابك" و"نايس ون" سجلت خسائر غير متوقعة، مما تسبب في موجات بيع، خصوصاً في أسهم النمو والقطاع الصناعي.
أضاف أن بين الأسباب الأخرى ضغوطاً من أسعار النفط وتقلباتها، إذ إن أسعار النفط شهدت تراجعاً ملحوظاً من منتصف يوليو (تموز) حتى أوائل أغسطس، مع انخفاض خام "برنت" إلى حدود 68–69 دولاراً، وهذا التراجع، على رغم أنه طفيف نسبياً، إلا أنه يؤثر بصورة مباشرة في ثقة المستثمرين في السوق السعودية، نظراً إلى ارتباط الاقتصاد وأداء الشركات الكبرى بقطاع الطاقة.
ويلفت الدوسري إلى سلوك المستثمرين الأفراد والمضاربات باعتباره سبباً ثالثاً، إذ شهدت السوق ارتفاعاً في المضاربات على أسهم صغيرة مثل "شمس" و"نايس ون"، مما تسبب في تذبذبات حادة، بخاصة مع تسجيل خسائر مفاجئة أو نهاية فترات استحقاق، في سلوك القطيع لعب دوراً في تكثيف عمليات البيع في جلسات عدة، مما زاد من حدة التراجعات.
ثم إن هناك سبباً رابعاً يسرده المتحدث، يتمثل في عوامل عالمية من قبيل الفائدة الأميركية وسوق العمل، فالبيانات الأميركية الأخيرة حول ضعف سوق العمل واحتمالات خفض الفائدة خلقت حالاً من القلق لا التفاؤل، إذ فسرها المستثمرون كمؤشر إلى تباطؤ الاقتصاد العالمي، علاوة على أن التقلبات في الأسواق العالمية انعكست على السوق السعودية بصورة غير مباشرة.
ويختتم مضيفاً "غياب سيولة المؤسسات وزيادة الحذر خامس الأسباب، فخلال الشهرين الماضيين، لوحظ انخفاض نسبي في مشاركة المستثمرين المؤسساتيين، وهو ما تسبب في غياب الاستقرار في التداولات، وترك السوق رهينة لتذبذبات الأفراد. المؤسسات تميل إلى الحذر حالياً بانتظار رؤية واضحة لسياسة الفائدة وأسعار النفط".
اندبندنت عربية
المصدر:
http://mail.syriasteps.com/index.php?d=131&id=202525