خطوة إصلاحية أم تركيز للسلطة..
ما دلالات مرسوم إحداث هيئة المنافذ والجمارك؟
سيرياستيبس
أثار المرسوم الجمهوري القاضي بإنشاء الهيئة العامة للمنافذ والجمارك موجة واسعة من الجدل في الأوساط الاقتصادية والإدارية في سوريا، إذ ينشئ المرسوم هيئة مركزية ترتبط مباشرة برئيس الجمهورية، تتولى إدارة الجمارك والمرافئ والمنافذ البرية والمناطق الحرة.
وفي حين يسوق لهذه الخطوة على أنها تأتي في إطار “الإصلاح وتوحيد الجهود”، يرى فريق من الخبراء أن المرسوم يحمل مخاوف خطيرة تتعلق بتركيز السلطة وإضعاف الوزارات، كما يعتبره آخرون فرصة لتعزيز الكفاءة والتحديث.
تركيز السلطة وإضعاف الوزارات؟
يرى الباحث الاقتصادي أحمد عزوز أن إحدى أبرز سلبيات المرسوم تتمثل في التركيز الشديد للسلطة، إذ يجمع تحت مظلة واحدة قطاعات متباعدة بطبيعتها مثل الجمارك والموانئ والحدود والمناطق الحرة والنقل البحري.
ويشير عزوز في حديثه لموقع تلفزيون سوريا إلى أن مثل هذه القطاعات، في الدول الحديثة، توزع بين وزارات مختلفة لضمان التوازن المؤسسي والرقابة المتبادلة، في حين تسحب في النموذج الجديد من وزارات المالية والنقل والاقتصاد والداخلية لتخضع لهيئة واحدة تتبع للرئاسة مباشرة، ما يعني، وفق تعبيره، إنشاء “جهاز فوق حكومي”.
ويؤكد عزوز أن المرسوم يضعف دور الحكومة، ويحول الوزارات إلى جهات تنفيذية محدودة الصلاحيات، إذ تخسر المالية أحد أهم مصادر نفوذها (الجمارك)، ويفقد النقل إشرافه على الموانئ، وتُجرَّد وزارة الاقتصاد من سلطة إدارة المناطق الحرة. ويرى أن هذا النموذج يعيد البلاد إلى مركزية شديدة تتعارض مع مبادئ الإدارة الحديثة.
ويضيف أن دمج القطاعات الأكثر ربحية وحساسية، مثل المنافذ والجمارك، في كيان واحد دون رقابة برلمانية فعّالة يفتح الباب واسعاً أمام غياب الشفافية، واحتكار القرار الاقتصادي، وتوقيع اتفاقيات بعيدة المدى من دون تدقيق أو مساءلة.
ويستشهد بخبرات دولية ناجحة تعتمد على فصل الوظائف لا دمجها؛ فالجمارك تُدار عبر المالية، والموانئ ضمن قطاع النقل، والمناطق الحرة في إطار الاستثمار، في حين تبقى الحدود جزءاً من اختصاص الداخلية.
ويرى عزوز أن المرسوم 244/2025 يعيد تشكيل واحد من أهم القطاعات الاقتصادية والأمنية في سوريا على نحو يركز السلطة في هيئة مركزية فوق حكومية، تتجاوز البنية الوزارية التقليدية، وتخلق نموذجاً قد يؤدي إلى ازدواج القوانين وضعف الرقابة وترسيخ المركزية.
ويرى أن هذا الهيكل الجديد يحمل مخاطر حقيقية تتعلق بالشفافية وإدارة الموارد، وقد يفضي إلى جهاز إداري ضخم يصعب تشغيله بكفاءة أو إخضاعه للرقابة.
خطوة إصلاحية؟
على الجانب الآخر، يرى المدافعون عن إنشاء الهيئة أن المرسوم يشكل خطوة تنظيمية ضرورية لتحسين الأداء الإداري والجمركي.
وفي هذا السياق، يقول الباحث الاقتصادي يحيى السيد عمر إن الهدف المعلن يتمثل في توحيد الجهود وتعزيز كفاءة إدارة المنافذ، وهي خطوة، برأيه، قد تحدث فرقاً حقيقياً في تسريع الإجراءات ورفع مستوى التنسيق بين الجهات المختلفة.
ويشير السيد عمر في حديثه لموقع تلفزيون سوريا إلى أن القطاع الجمركي يعاني منذ سنوات من تعدد الجهات المسؤولة واختلاف الإجراءات بين الوزارات والمرافئ، ما يؤدي إلى ازدواجية وتباطؤ في حركة التجارة، ويرى أن وجود هيئة مركزية تضع معايير موحدة وإجراءات واضحة يمكن أن يحد من البيروقراطية ويسهم في تسريع الإفراج عن البضائع، بما ينعكس إيجاباً على قطاعات حيوية مثل الغذاء والطاقة والمواد الخام.
ويشدد السيد عمر على أن تقليل عدد الجهات الإدارية قد يسهم في تعزيز الشفافية، إذ تصبح المسؤوليات أوضح وأسهل في المتابعة والرقابة، كما قد يشجع هذا النموذج المستثمرين عبر تقليل المخاطر الإدارية المرتبطة بإجراءات الاستيراد والتصدير.
ويضيف أن الإدارة المركزية للموارد قد تتيح تطوير البنية التحتية للمنافذ والمناطق الحرة، وربطها بأنظمة حديثة للتجارة الإلكترونية والرقابة الجمركية، وهو ما يسهم في تحديث العملية التشغيلية ورفع مستويات الكفاءة.
تحديات يجب مراعاتها
يرى مختصون أن المرسوم يحمل أيضاً تحديات طبيعية ينبغي إدارتها بحذر، أبرزها ضرورة وضع آليات دقيقة للتنسيق بين الهيئة المستحدثة والوزارات الأخرى، وتحديد الصلاحيات بوضوح لتجنب تضارب القرارات خلال مرحلة الانتقال. كما يجب ضمان توزيع عادل للموارد والإيرادات كي لا تتأثر الخدمات العامة أو الأداء المالي للمرافق المحلية.
ويؤكد يحيى السيد عمر أن نجاح التجربة يعتمد على وضوح القوانين التنفيذية، وكفاءة القيادات الإدارية التي ستتولى الإشراف على الهيئة، وقدرتها على دمج مختلف الجهات ضمن منظومة مركزية متوازنة تحقق أهداف الإصلاح دون المساس بسلاسة العمل اليومي.
يعكس مرسوم إنشاء الهيئة العامة للمنافذ والجمارك توجهاً واضحاً نحو إعادة هيكلة قطاع شديد الحساسية والاستراتيجية في سوريا، وفي حين يراه بعضهم خطوة إصلاحية تهدف إلى تحسين الأداء وتعزيز الكفاءة، ينظر إليه آخرون كآلية جديدة لتركيز السلطة على حساب الوزارات والرقابة، ويبقى السؤال مفتوحاً حول مدى توافق هذه الخطوة مع الإطار الدستوري، وقدرتها على تحقيق توازن بين الإدارة المركزية والشفافية والفعالية، وفي ظل غياب تفاصيل اللوائح التنفيذية، ستتضح ملامح تأثير هذا المرسوم خلال المرحلة المقبلة، سواء اتجه نحو إصلاح فعلي أم نحو تعميق المركزية وتوسيع نطاق السلطة التنفيذية.
تلفزيون سوريا
المصدر:
http://mail.syriasteps.com/index.php?d=127&id=203761