إشارات تحذيرية تنذر باقتراب بريطانيا من الركود
15/12/2025




سيرياستيبس 

عندما قدم رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر ووزيرة خزانته راشيل ريفز رؤيتهما للناخبين قبيل الانتخابات العامة، كان طموحهما واضحاً، إذ وردت كلمة "النمو" 49 مرة في برنامج حزب "العمال"، وجاءت مهمة "إطلاق النمو الاقتصادي" في صدارة أولويات الحزب الخمس.

لكن الواقع جاء أقل إشراقاً، فالاقتصاد البريطاني انكمش أو سجل نمواً صفرياً في تسعة أشهر من أصل 16 شهراً قضاها حزب العمال في السلطة.

وأرجع اقتصاديون ومراقبون التراجع الأخير إلى سيل التسريبات التي سبقت الموازنة، وما ولدته من حال عدم يقين، وقال ديفيد موريسون من شركة "ترايد نيشن" إن أرقام أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، "كانت مخيبة للآمال مرة أخرى، وتضع المستثمرين الآن في حال ترقب للركود"، فيما ذهب الاقتصادي المستقل جوليان جيسوب إلى أبعد من ذلك بقوله لصحيفة "تليغراف"، "الركود يُعرف عادة بتسجيل فصلين متتاليين من النمو السلبي، ولم نصل إلى ذلك بعد، لكن في العالم الحقيقي نعم، نحن في حال ركود".

متى يتوقع بانكماش الاقتصاد البريطاني؟
تُظهر أحدث بيانات مكتب الإحصاءات الوطنية صورة ضعف في قطاعات واسعة من الاقتصاد، إذ انكمش قطاع الخدمات، الذي يشمل أنشطة تمتد من صالونات الحلاقة إلى استوديوهات السينما ومكاتب المحاماة في العاصمة لندن، بنسبة 0.3 في المئة خلال أكتوبر من العام.

وتراجع قطاع البناء بنسبة 0.6 في المئة، على رغم طموحات الحكومة لتسريع وتيرة البناء، أما الإنتاج فكان القطاع الوحيد الذي سجل نمواً بنسبة 1.1 في المئة، لكنه جاء بعد هبوط حاد بنسبة اثنين في المئة في سبتمبر (أيلول) الماضي، في وقت كان فيه مراقبون يأملون في تعافٍ أقوى عقب الهجوم السيبراني الذي ضرب "جاكوار لاند روفر" وألحق ضرراً بالصناعة التحويلية.

وقال أندرو ويشارت من بنك "بيرنبرغ"، إن التعافي المتوقع لم يتحقق، مرجعاً ذلك إلى تدهور الأساسيات الاقتصادية وضعف الأداء العام للاقتصاد البريطاني.

ولم يكن أحد يتوقع أن تكون التكهنات التي سبقت الموازنة، في شأن من سيتحمل عبء الزيادات الضريبية، عاملاً داعماً للاقتصاد. ومع مرور الوقت، بات حجم الضرر أكثر وضوحاً، إذ لم تحمل أرقام الناتج المحلي الإجمالي أي أخبار إيجابية منذ يونيو (حزيران) الماضي.

ويشير ذلك إلى أن فترة التحضير الطويلة بشكل غير معتاد لموازنة ريفز الثانية فاقمت من تباطؤ اقتصاد يعاني أصلاً، مما جعل الشركات أكثر تردداً في الاستثمار أو التوظيف.

وقال سانجاي راجا من "دويتشه بنك" إن "الطريق حتى نهاية العام سيكون وعراً"، محذراً من أن عدم اليقين المرتبط بالموازنة، إلى جانب ضعف التوظيف ومخاوف ارتفاع البطالة، سيحد من الإنفاق والاستثمار، وأضاف أن هناك أخطاراً ملموسة بانكماش الاقتصاد خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام.

"مؤشرات الركود تومض باللون الأحمر"
يتقاطع هذا التقييم مع رأي سكوت غاردنر من "جيه بي مورغان بيرسونال إنفستينغ"، الذي أشار إلى أن النمو الاقتصادي كان متقلباً هذا العام، وأن الاقتصاد البريطاني فشل في الحفاظ على الزخم بعد أداء قوي في الربع الأول من العام. وقال إن النمو بات عالقاً في المسار البطيء، مضيفاً أن الاقتصاد تقدم خطوتين وتراجع خطوة واحدة، أو بعبارة أخرى، بدأت مؤشرات الركود تومض باللون الأحمر.

العمالة تشهد تدهوراً ملحوظاً، مع ارتفاع البطالة، فيما يصف خبراء منذ فترة طويلة التراجع المستمر في الوظائف الشاغرة بأنه "ركود في التوظيف". وقال غاردنر إن سوق العمل تضعف بوضوح، مع ارتفاع أعداد العاطلين عن العمل، محذراً من أن البطالة ستكون "نقطة مراقبة رئيسة" مع التوجه نحو 2026.

ومن المرجح أن يضغط ضعف سوق العمل على ثقة المستهلكين، مما يدفع الأسر إلى الادخار بدل الإنفاق، ويغذي حلقة مفرغة تتمثل في احتفاظ العائلات بمدخرات كبيرة كان يمكن أن تدعم تعافي الاقتصاد، لولا افتقارها إلى الثقة.

وقال محافظ بنك إنجلترا (البنك المركزي البريطاني) أندرو بايلي، في إفادته أمام لجنة التحقيق في جائحة كورونا، إن حال القلق لا تزال تكبح الاقتصاد بعد خمسة أعوام من الجائحة، مشيراً إلى أن معدل الادخار في بريطانيا لا يزال ضعف مستواه قبل "كوفيد"، ما يعني أن الاستهلاك الأسري لا يزال ضعيفاً، وأن سلوك الأسر شهد تغيراً ملحوظاً.

الشركات تواجه ضغوطاً من ارتفاع الكلفة
تواجه الشركات ضغوطاً من ارتفاع الكلفة الناتج عن أول موازنة لريفيز، التي تضمنت زيادة ضريبية بقيمة 26 مليار جنيه استرليني (34.7 مليار دولار) ورفع الحد الأدنى للأجور، إضافة إلى زيادات في ضرائب الأعمال على عديد من شركات الضيافة، ما أثار غضب أصحابها.

وقال ستيوارت موريسون من غرف التجارة البريطانية إن الشركات "تنتظر معجزة غير مرجحة في موسم الأعياد لتحقيق نمو".

ويبقى الأمل الأكبر أن يدفع ارتفاع البطالة وتدهور الاقتصاد بنك إنجلترا إلى خفض أسعار الفائدة.

وقالت روث غريغوري من "كابيتال إيكونوميكس" للصحيفة، إن ضعف الناتج المحلي الإجمالي، إلى جانب تباطؤ سوق العمل وتراجع التضخم في أكتوبر الماضي، يعزز التوقعات بخفض الفائدة 25 نقطة أساس إلى 3.75 في المئة.

لكن التضخم لا يزال قريباً من ضعف هدف البنك المركزي عند 3.6 في المئة، مما قد يقيد قدرة صانعي السياسات على التحرك.

وقال فيليب شو من "إنفستك"، إن الأمر قد يتطلب بيانات تضخم سيئة لمنع خفض الفائدة للمرة السادسة في الدورة الحالية، وإذا ظلت أسعار الفائدة مرتفعة، فمن المرجح أن تتفاقم مخاوف الركود.

وفي وزارة الخزانة، لم يصدر تعليق مباشر من الوزيرة على أرقام الناتج المحلي الإجمالي المخيبة، واكتفى متحدث باسمها بالقول إن الحكومة مصممة على تحدي التوقعات في شأن النمو وخلق وظائف جيدة، بما يضمن تحسن مستوى المعيشة والاستثمار في خدمات عامة أفضل.

وجاءت أرقام أكتوبر من العام الحالي، الصادرة صباح الجمعة، لتضيف إلى الأجواء القاتمة، إذ انكمش الاقتصاد بنسبة 0.1 في المئة، بعد تراجع مماثل في سبتمبر الماضي وغياب أي نمو في أغسطس (آب) من العام.

اندبندنت عربية 



المصدر:
http://mail.syriasteps.com/index.php?d=131&id=203944

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc