1
لم يبد على وجوه الحاضرين في سرفانتس
(المركز الثقافي الاسباني) ذلك المساء أية إثارة أو دراما من نوع خاص, وكان من
الصعب على المرء أن يستجلي إشارة أو تلميحا يدل على أنّ القوم بوجودهم هنا إنما
يفوتون على أنفسهم حدثا ذا بال يحسن بالمرء البدء بالتحضر له في مكان آخر لايبعد
أكثر من 15 دقيقة بأقدام مرتاحة, شأن سوريين عديدين آخرين.
جلس كل على مقعده, ودارت أسطوانة
الفيلم ليبدأ (بيتو لونا) كما هو منتظر سرد قصة ذلك اليوم من حياته. وبمجرد أن
أضيئت الأنوار ثانية في القاعة, ارتدى كل من قصي ودانا معطفيهما وغادرا.
2
"دخيلك, وإزا هيك السيرة بلاها
أحسن" !
"هلأ عمليا واحدنا عم يناطح
بالألفين ليرة –إزا دبرناهم- كرمال كرسي من أصل 300 ويمكن أقل, إيه ما نحنا اللي
ملوعين بالكلية على ما نحضر منطلع لحالنا فوق الألفين, كيف إزا بدك تحسب بائي خلق
الله برا ..."
" .... منقلب الكراسي وكل واحد
بيئعد ع إجر, هيك كل كرسي بيوسع أربعة"!
"بشرفك, إنو بدون يانا ننزرع
خمس ست ساعات ع الدور, ويا منحصل يا ما منحصل, وعنا تلت فحوصات موت أحمر مدروزين
ورا بعضون البعض آخر هالشهر"
"آل يعني إزا درسنا ونجحنا وتخرجنا
واشتغلنا, بيصير معنا مصاري نحضر متل البني آدمين"
"خليهون يشربوها لفيروز هدوال الـ......
تبعات الـ8000 و10.000, أجار غرفتي لحالو 7300, بس تعا لئلك ...حلال ع
الشاطر"
"............ ........., وعللي
بيشد معهن"
".............., ...........
......... ... ........... ! , .......... ( ........ ) .......... ......"
؟؟
3
اعترف الكثيرون لإدارة احتفالية دمشق
عاصمة للثقافة العربية 2008 أنها قد نجحت حيث فشلت وزارة السياحة, وذلك بعد أن أرغمت
الناس على نوع من (السوحان) الداخلي الاجباري في ربوع دار الأوبرا خلال الأيام
الماضية, الدار التي كان ثمة عدد لابأس به من أهل دمشق نفسها يجهل مجرد وجودها حتى
وقت قريب.
فطريقة تنظيم شراء البطاقات وحصرها
في مكان واحد يتيم لكل سكان المدينة, ناهيك عن الموجودين خارجها من باقي المحافظات
(التي ليس عندها عواصم للثقافة), دفعت مئات المواطنين الراغبين بحضور مسرحية (صح
النوم) إلى التسلح بعدة سيران كاملة لمواجهة ساعات الانتظار الطويلة والطوابير
التي لا تنتهي, ابتداء بالكراسي وانتهاء بالطعام والشراب, ولم يكن ينقص الصورة كما
علق بعضهم ساخرا إلا الأراكيل وكرة القدم, في جو شعبي وجدت الشرطة معه نفسها مضطرة
أكثر من مرة للتدخل بغرض التخفيف من حرارته التشاركية.
على أن بعضهم نبه إلى أنّ هذا
التدافع الرفاقي والأسري الذي شهدته ساحات الانتظار أمر يحصل في أحسن العائلات
والدول, ولأسباب ربما تكون مجرد إطلاق إصدار جديد من ألعاب الكومبيوتر, أو توقيع
جزء جديد من (هاري بوتر), فما بالنا بعودة شخصية كفيروز إلى دمشق بعد فرقة دهر
طويلة.
4
لفت نظر مراقبة غير حيادية كانت بصدد
محاولة أن تنحت اسما لها في سجل الخالدين ممن سيكتب لهم حضور المسرحية؛ ذلك الازدحام
الشديد في صفوف وأرتال السميعة على بطاقات الـ(2000) ليرة بشكل خاص, مقارنة بالطابور
(لم تحدد رقمه) الذي خصص لعلية القوم والذي كان(متواضعا) نسبيا, مع أنّ من يفرد
طوله فيه ينال بطاقة ذهبية من فئة الـ(10.000) ليرة, والذي كان يمنـّي النفس برؤية
أحد الذوات أو المسؤولين أو شركاهم واقفين على الدور (منظر بيستاهل الفرجة) فقد كان بانتظاره مفاجئة صغيرة, إذ وعلى
غير المنتظر غصت صفوف الـ(فيرست كلاس) تلك بدلا عما سبق بالسيرلانكيين والفيتناميين
والهنود, ناهيك عن الشوفيرية وفتـّاحين الأبواب, ومعتمري البيريهات الكحلي, وأولاد
السمـّانة, وصبية السوبرماركاتات.
5
تبين لاحقا أنّ المشاهدات الجدلية
السابقة لم تكن ردة اجتماعية بروليتارية أصولية, كما أنـّها كانت بعيدة عن أن تكون
نتيجة منطقية لتقاضي أولئك المعترين في خدمة أناس آخرين وبلاد أخرى رواتبا أعلى
لهذه الدرجة مما يتقاضاه الواحد منا في خدمة بلده وأبناء جلدته لا سمح الله, ولا
لأن الروبية السيرلانكية (طاحشة) على الليرة السورية نكالا بالمحرر الاقتصادي في
(تشرين) و(الثورة), و لا لأن شعوب جنوب شرق آسيا باتت متعطشة للطرب العربي بعد أن غمرتها
تسونامي التعريب السورية التي لم تصل بعد شواطئ الـ(إن هاوس كافيه) في القصـّاع؛ وإنما بكل بساطة لأن أولئك الأجراء كانوا
يقفون هناك في واقع الحال بالأصالة -لاحظ التمثيل النيابي النابي- عن أسيادهم -وأسيادنا- الذين عنّ على بالهم هم أيضا الاستماع
إلى (بلاي باك) فيروز (لايف), فكبسوا ريموتات كونترولاتهم ليظهر المشهد البديع
الآنف وصفه, مؤتسين بالحكمة التموينية الشامية: "كل شي بـ(بلاش) كتـّر منو".
6
"شو 200 دولار, ولاشي,
إدام ليجنداري فويس متل فيروز".
صرح السيد الشاب منتظرا سائقه على
أحر من جمر الأودي S8.
العبارة نفسها (إنما بالأفرنسي)
رددتها على سماعة جوالي من بيروت قريبة أحد معارفي اللبنانيين, بعد أن نكهتها
بمفردة إضافية:
"ولو 145 أورو, إيه ( ... ) -من حرفين, طاء وزين- ما بينحكا فيهون
هدلول, مش عيب تبهدلو العالم عشانون"!
7
المراقبة غير الحيادية وأنا نعود في
فلاش (فورورد) إلى تلك المقاربة المخزية حتى ساعته وتاريخه لنظرية مكافحة ما يسمى
بـ(الثقافة المجانية) في طبعتها المحلية ما بعد الاشتراكية.
8
الحركة الخفيفة في شوارع دمشق ذلك
المساء نتيجة تبصيرات الأرصاد الجوية المحذرة من الصقيع والأمطار أكثر منها نتيجة الصقيع
والمطر نفسه؛ لم تخدم الأوكازيونات العريضة في أنحاء الوسط التجاري للمدينة, مع تخفيضات
اضطرت أن تبدأ باكرا هذا العام بعد أن استهلكت المحال في وقت سابق القسط الأعظم من
زبائنها, إثر طوفان الأعياد التي تتالت في فترة قياسية لم تتجاوز الأسبوعين, تاركة
الأسواق فيما بعد قاعا صفصفا.
أحدهم علق بسرعة على أنّ مسؤولي
وكلاء أعضاء موظفي هيئة إدارة شؤون فرع مكتب دائرة قسم بورد أمن تسعير بطاقات حفلة
فيروز هذه قد (صحوا من النوم) باكرا جدا على ما يبدوا ليستلهموا الكثير من هذه الأجواء
التجارية السائدة, وذلك في إطار سعيهم الرسولي لوضع تلك التسعيرات التاريخية لهذه
الحفلة, عبر اجتماعات ماراثونية مسهبة فاق عدد جلساتها ما عقد في مشاورات انتخاب
بابا الفاتيكان نفسه, تسعيرات كان من المفترض بها وفق الإلحاح التصريحاتي لقصاب
حسن ذاتها أن ((تناسب)) دخل المواطن
السوري ((داخل سوريا)), مطلقة ما تعشم الجميع أن يكون بخورا أبيضا, بدل الهباب
والشحار الذي نشرته (سانا) نقلا عن البيان الصحفي الدراماتيكي الذي وزعته الأمانة
بهذا الخصوص لاحقا.
المعلق إياه يقول أن الناس تعودوا هنا
أن تختفي فجأة كل الأرقام والأسعار عن واجهات المحال والصالات قبيل الإعلان عن الأوكازيونات,
لتعود فتظهر فترينات العرض في الموعد المنشود بحلة جديدة, وقد ألصقت في زواياها بطاقات
الأسعار الجديدة ذات الرقمين, أحدهما (مؤكس) عليه بالأحمر القاني, فيما الآخر مطرز
بعناية وإغراء, من حيث يفترض بهذا الرقم الأخيرأن يمثل السعر الجديد المخفض, بعد
حسم يصل لدى بعض التجار المتفانين حتى الـ50%, بيد أن اللعبة لا تكمن في توافق
الرقم الجديد رياضيا مع نسبة الحسم المعلنة؛ بقدر ما تكمن في كون الرقم الأصلي المشطب
قد تضاعف زمن الاختفاء قبيل الأوكازيون بما يزيد عن قيمة البضاعة في الأساس, الأمر
الذي يجعل الحسم النهائي مجرد حسم خلبي مزيف.
وهي استراتيجية ناجعة استفادت منها
عمدا أو عرضا, إدارة الاحتفالية عندما امتنعت عن الاعلان عن أسعار البطاقات بحجة
ما سمته في حينه (الدراسة), وكأن فيروز ومسرحيتها نزلتا فجأة بالبارشوت في دار
الأوبرا دون تسيق مع هذه الأمانة, ما سمح للتكهنات حول أسعار البطاقات أن تصل
حدها, لتبدو في النهاية تسعيرة العشرة آلاف النهائية مهضومة أمام بعبع الـ20.000
والـ25 ألفا التي سبق التداول بها مليا في بورصة ثقافة الشائعات التي تغار
(الأمانة) عليها منذ (شائعات صدور البرنامج) و(شائعات قبول المنح) و(شائعات مسؤولية
تحفير الساحات والطرقات)...
9
بدلا من يـُعلن على الفور عن دعم
مادي من نوع ما لأسعار البطاقات تتحمله أمانة الاحتفالية أو وزراة الثقافة أو
محافظة دمشق أو حاجب أمين سر مستودع الأسمدة الآزوتية في سلقين, تأتي الدكتورة
قصاب حسن لتزيد في الطنبور نغما (نغما باعتبارمعظم الأحداث المبرمجة في الاحتفالية
موسيقية), وذلك ضمن سياسة إعادة توزيع دعم ثقافي ينحني لها احتراما الفريق الاقتصادي
من الألف إلى الياء, محملة الجميع منـّة قيام جمهورية ثقافية أفلاطونية أون لاين, وذلك
عندما تبدي الدكتورة أمينة الاحتفالية اعتزامها –في تبرير مبطن لفحش أسعار
البطاقات- بناء صروح ثقافية جديدة لسؤدد أمتنا بأموال مسرحية فيروز بالذات, عائدة
بنا عودا لا نحمده ولانشكره إلى تلك العادة الفلكلورية في فرض (التبرع الإجباري)
عبر أساليب بهلوانية ملتزمة.
التعليل السابق يفترض أنّ الناس تصدق
فعلا وقولا أنّ الموجود حاليا من هذه الأوابد والعمارات الثقافية على عاهاتها
الفيزيائية والإدارية غير كافية حقا لاستيعاب الحشود والأحداث الثقافية الآخذ
بعضها برقاب بعض, و أنّ بقية أموال الاحتفالية إنما هو مخصص لنهضة شعب المالاوي,
وتمدين قبائل التانجا في بوركينا فاسو, و أنه فقط مستحق الدفع على بياض لحساب
السنيور (فيستي) امبراطور البهرجة والألاعيب النارية التي لا تحرق أنامل من يلعب بها.
كما يهيب التحليل الآنف ذكره بألا يدس
أحد أنفه المزكوم في عب ميزانية وزارة الثقافة نفسها, والتي يظهر أن أموال دافعي
الضرائب فيها أموال حرام لا يجوز التـثـقـف بها شرعا, وذلك كله من وراء ستار مسرحي
طويل ومسدل بعناية فوق ميزانية الاحتفالية, والأوجه والأقـفية -تعريب خلفيات- التي
ستصرف فيها تلك الأموال, آخذين بعين الاعتبار مسلسلات الدراما السورية ذائعة الصيت
عن قضايا الفساد الجوالة في ربوع الوطن, والتي ما تفتأ تنحل أزرار معاطفها السميكة
بشكل يومي كاشفة عن أجساد ممسوخة ولحم يعاف الدود أكله.
10
علمت مصادر مطلعة أن قصي ودانا اللذين
وردت اقتباسات لهما في مطلع هذه (الاحتفالية) قررا كغيرهما في النهاية, وبضمير
مرتاح –كما أصرا- ليس عدم محاولة حضور
مسرحية (فيروز) فحسب, بل وعدم قراءة أو متابعة أي شيء يمت بصلة لهذا الموضوع, لهذا
فقد غادرا سريعا مبنى سرفانتس عند انتهاء الفيلم الأرجنتيني مخافة أن يصطادهما ذلك
الصحفي غريب الأطوار بالمزيد من أسئلته التي (تهز البدن), خاصة وأن ذلك المساء
بالذات لم يكن سوى مساء 28 كانون الثاني موعد أولى الإطلالات المنتظرة لسيدة
الغناء المتوجة في نظر الغالبية الساحقة من السوريين.
11
نظرا لأن الاكتشافات هي دائما طازجة
بعيون أصحابها؛ فقد اكتشف المحرر المحلي لمطبوعة لبنانية معارضة (معارضة عندون) خلال
تغطيته الميدانية لأرض الحدث ندرة زبائن بطاقات أم الـ(5000) ليرة سورية, فسارع أرخميدس
جريدة (الأخبار) دون تردد على الصفحة إياها وبسطرين بالعدد إلى نعي -المغفور لها ولقبـّاريها-
الطبقة الوسطى السورية, والتي لازال يصارع من بقي من هنودها الحمر للتأقلم دردريا مع
رهانات الحال التاريخي قبل راهنه, والانفتاح على مدار الساعة -دون عقارب حتى الآن-
على كرامات اقتصاد السوق -شحطة- الاجتماعي إيـّاه.
(يتوافر اليوم في الأسواق كتاب بالغ
الجدية عن هذا الأخير- فقط لمن يؤمنون باليوم الآخر)
ولا عزاء ولا سبق صحفي و ... يـحزنون.
12
لم ينته بعد.
خالد الاختيار
المصدر:
http://mail.syriasteps.com/index.php?d=160&id=220