الدكتور
محمد وليد اسكاف
تظهر لنا
أهمية موضوع حق استعمال القوة في العلاقات الدولية سواء من الناحية النظرية أو
العملية.
فمن الناحية
النظرية يمكن القول أن مشكلة القوة تدخل في جميع العلاقات الدولية سواء كانت
الحروب والمنافسات بحيث نجد أن القوة هنا تتدخل بمعناها العسكري وفي التعاون يدخل
التهديد بالقوة لقمع أحد الأطراف كما أن القوة في السياسة الدولية أوضح بكثير
وكثيرا ما تسمى السياسة الدولية بسياسية القوة.
ولقد أدى
الدور المهم الذي تلعبه القوة في العلاقات الدولية إلى نشوء مدارس فكرية تفسر
العلاقات الدولية على ضوء مفهوم القوة ولكن على الرغم من أن القوة تلعب دورا
أساسيا في السياسة الدولية إلا أنها أصبحت وسيلة لتحقيق قيم وطنية.
وأما من
الناحية العملية تتجلى أهمية هذا الموضوع من خلال تأثير حق استعمال القوة على
الواقع الدولي بحيث أصبح هذا الموضوع إحدى الوسائل التي تستعملها الدول لفض
المنازعات الدولية بالرغم من أن المجتمع الدولي حاول الحد من العدوان وتأطير الحرب
وجعلها أكثر إنسانية وكل ذلك عند إقدام ميثاق الأمم المتحدة على وضع مخطط شامل
لمواجهة حالات تهديد أو خرق السلم وبالرغم من هذا كله تم خرق مبدأ تحريم استعمال
القوة في العلاقات الدولية مع استئناف لحالة الدفاع الشرعي عن النفس وكان لهذا
الاستعمال أثار سلبية أيضا حتى على الوضع الدولي بحيث اندلعت فيه الحروب والصراعات
كما أن هذا التأثير لاحق دور منظمة الأمم المتحدة بحيث أصبحت غير قادرة على وضع حد
للنزاعات الدولية دون اللجوء إلى القوة العسكرية، وهذا ما يفسر أن المجتمع الدولي
أصبح غير منظم وتحل مشاكله عن طريق التدخل العسكري والذي أصبح من بين الإشكالات
المطروحة على مستوى العلاقات الدولية وهي إشكالية منتقضة وغير مقبولة وتخالف الفعل
المشروع الذي يصدر عن مجلس الأمن وبغير ذلك لا يعني القبول بالتدخل دون تفويض من
مجلس الأمن لأن الفعل العسكري غير مشروع قد تترتب عنه أثار وخيمة على النظام الدولي.
ومن أسباب
اختياري لهذا الموضوع هو شعوري بأهمية الموضوع وضرورة البحث فيه، وخصوصا أن عالمنا
العربي تتكالب عليه الدول القوية لتجزئته وإبقائه ضعيفا وذلك بعد نهب ثروته
وخيراته ولاسيما النفط الذي يعتبر عصب الحياة والتقدم في عالمنا المعاصر ومن ناحية
أخرى ظهور مجموعة من الصراعات في قلب وطننا العربي واعتماد القوى العظمى على منطلق
القوة والعدوان في تعاملها مع الدول. فإن هذا الأمر يلقي مسؤولية كبيرة على رجال
الفكر والقانون وذلك لدراسة منطق والقوة الغاشمة وتحليلها والتوصل إلى الأساليب
العلمية الملائمة لمعالجة هذه الظاهرة من قبل المجتمع الدولي لإجبار المعتدي
وإخضاعه للإرادة الدولية وبذلك فستكون ذلك بداية النهاية للصراعات وستفقد الدول
القوية مقومات الوجود، ألا وهي التوسع والعدوان وسوف تلغى بذلك نظرية الأمن الذاتي
التي تطبق على طبيعة العدوان ثم بعد ذلك سوف يتم قلب المفاهيم بحيث أصبح يسمى
العدوان دفاعا عن النفس وتسمى العربدة والغطرسة حفاظا على المصالح والأمن الدولي
وكل ذلك يتم عن طريق التذرع بمبادئ القانون الدولي ولقد آن الأوان أن يتم دراسة
هذه الظاهرة وتحليلها وفهمها خصوصا مع تفاقم ظاهرة استعمال القوة وكثرت الحروب
التي تفتقد لأي سند قانوني وعجز منظمة الأمم المتحدة على تنظيم المشهد الدولي
والحفاظ على السلم والأمن الدوليين وخصوصا أن العالم اليوم يشهد مجموعة من
الصراعات على مستوى الواقع، وأبرز هذه الصراعات ما يمر به الإقليم العربي من تفكك
وانهيار لأمنه الإقليمي، واكتراث سيادته الوطنية عن طريق غزو العراق وأفغانستان
وضرب لبنان وضرب غزة والخطة لم تكتمل بعد
والمشهد الدولي مازال مهددا بتأجج صراعات
وحروب مستقبلية سوف تكون لها انعكاسات سلبية وسوف تتضرر منها الدول العربية سواء
على المستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
السياق
العام للموضوع :
إن القوة
ظاهرة طبيعية لازمت البشرية منذ وجودها على هذه الأرض ولقد استخدمها الإنسان في
كافة مراحل تطوره لغاية أساسية ألا وهي الحفاظ على البقاء لتحسين أحواله المعاشية.
وهكذا
وبتطور الإنسان اجتماعيا استطاع أن ينظم نفسه وكل علاقته مع جل الجماعات التي تعيش
معه بشكل يؤمن له تحقيق حاجياته وذلك بالاعتماد على القوة المتوفرة لديه، وذلك من
أجل الدفاع عنها وبالتزامن مع ذلك لازالت المسيرة التاريخية للبشرية التي تعاني من
ممارسات مشؤومة تتحلى فيها استخدامات للقوة في العلاقات الدولية بحيث تضررت في
عواقبها المأساوية. ولقد ارتبط أيضا مفهوم
استخدام القوة بمفهوم المصالح القومية والحفاظ عليها منذ القدم كما أن الدولة
مازالت تبنى مواقفها استنادا إلى ما تملكه من مصادر القوة سواء كانت ثابتة أو غير
ثابتة كالموقع الجغرافي والموارد الكامنة أو كانت متغيرة كالقدرات الذاتية لشعوبها
وقوتها المسلحة.
ولقد تطور
شكل استخدام هذه القوة بشكل مباشر وصريح وخصوصا القوة العسكرية، إلى استخدام غير
مباشر للقوة بشكل التهديد مثلا أو الضغوط بكافة أشكالها والتي تسمى عادة بوسائل
الإكراه مثلا والتي لا تصل إلى حد الحرب، ولقد بدل المجتمع الدولي جهودا عظيمة في
سبيل تنظيم وتحديد منع استخدام القوة وكانت هذه الجهود تتناسب فرديا مع التقدم
الحضاري الذي تحققه البشرية وكلما زاد هذا التقدم زادت الجهود في ذلك السبيل ولعل
هذا السبب في ذلك هو توصل العالم المتحضر إلى أسلحة أشد فتكا وتدميرا بشكل متزايد
ومتطور بتطور الحضارة من ناحية ومن ناحية أخرى لأن ظاهرة اللجوء إلى القوة تمتاز
بها عادة المجتمعات الأقل تحضرا بينما تلجئ المجتمعات المتحضرة إلى العقل والحكمة في جل معضلاتها.
وعلى الرغم
من كافة الجهود التي بدلت سواء كانت نظرية جاءت بها الأديان والثقافات
والإيدلوجيات المختلفة أو عملية تمثلت في المعاهدات والاتفاقات والمواثيق المنظمات
الدولية فلم يتوصل المجتمع الدولي حتى الآن إلى القضاء على ظاهرة الحروب واستخدام
القوة بل أخذت الدول تتفنن في إيجاد المبررات القانونية والمنطقية والأخلاقية
لتجبير لجوءها لاستخدام القوة.
وحيث أن
الطبيعة البشرية والحاجات العملية للحياة السياسية المعاصرة لا تسمح بنبد تام
لاستخدام القوة وذلك لعدم وجود ضمان دولي لحد الآن يردع المعتدي ويعاقبه ويستخلص
للمظلوم حقه فيبدو أن مقولة الحق للقوة مازالت صالحة في كثير من الأحوال ليس
بمفهوم الاعتداء والعدوان وإنما بمفهوم المحافظة على الحقوق والدفاع عن النفس من
قبل الدول فالدول الضعيفة لا يمكن أن تدافع عن نفسها وتحافظ على حقوقها وسيادتها
واستقلالها في هذا العالم المتناقض الذي يحافظ على السلام باللجوء إلى الردع
المتبادل لمنع وقوع الحرب.
ان المشهد
الدولي الراهن اليوم لا يبدو مضبوطا ومنتظما، فهناك تسيء للعديد من المفاهيم
والركائز القانونية ومن أهمها تحريك استخدام القوة إلا في حالة الدفاع عن النفس،
ولقد ساهمت الحروب التي يشهدها الواقع الدولي اليوم في تشجيع الفكر لإعادة دراسة
موضوع استخدام القوة في القانون الدولي وتمحيص الحجج والدرائع التي باتت تسوقها
الدول الكبرى الآن لتبرير استخدامها للقوة بصورة منفردة خلافا لأحكام ميثاق الأمم
المتحدة والإشكالية الأساسية المطروحة في هذا البحث.تتمتل فيما يلي ما هو موقف
الجانب القانوني والفقه الدولي في حق استعمال القوة ثم ما هو تأثير استعمال القوة
على الواقع الدولي ؟
ويتفرع عن
هذه الإشكالية الرئيسية مجموعة من التساؤلات ومنها ماهي الاساليب غير المشروع
لاستخدام القوة في العلاقات الدولية ؟ ثم ما هو الاطار العام لتحريم استخدام
القوة؟تم ماهو واقع استعمال القوة في الواقع الدولي؟ ثم يطرح سؤال الدي يفرض نفسه
على الواقع الدولي ما هي الانعكاسات التي يمكن أن يخلفهاحق استعمال القوة ؟ ثم هل يمكن أن يؤثر التعسف في استخدام القوة في
بزوغ صراعات غير متوازنة علي مستوي العلاقات الدولية تم تراجع دور منظمة الأمم
المتحدة والحد من جهودها في حل المنازعات الدولية بالطرق السلمية؟ ثم هل يمكن
تطوير آليات وأساليب اشتغال منظمة الأمم المتحدة حتى تكون في مستوى التحديات
المطروحة دوليا ؟
صعوبات
البحث :
إن إنجازنا
لهذا الموضوع لم يكن بالشيء اليسير فقد واجهتنا صعوبات وعقبات ذلك أن تناول موضوع
استخدام القوة في العلاقات الدولية يقتضي من أي باحث الإلمام بالقانون الدولي
ودراسة الآراء والمفاهيم المتعلقة بحق استخدام القوة فكنا أمام صعوبة اختيار
أفضلها وأقومها وخصوصا مع تعدد الآراء وتناقضاتها في تصوراتها كما أن هناك صعوبات
أخرى تكمن في كون مهما حاولنا مع هذا الموضوع في التعميق والتدقيق، فإننا لن
نستوفي دراسته من كل جوانبه لأنه موضوع دقيق وشامل وله ارتباط بالنظام الدولي
وبموازين القوى التي تنشأ عبر التحالفات بين الدول أو المنظمات وغيرها.
فهذا البحث
كبير ومن الصعب تحديد كل تفصيلاته إلا بالقدر الذي يسمح به واقع الدراسات
والكتابات المتخصصة في هذا الموضوع لأنه موضوع متشعب ويطرح مجموعة من الإشكالات
والتي مازالت تحظى بالدراسة والبحث من طرف الأكاديميين والدارسين لمواضيع القانون
الدولي والعلاقات الدولية.
المنهج
المعتمد :
إن المنهج
هو الخطوات الفكرية والتعقلية التي على الباحث إتباعها من أجل الوصول إلى الحقيقة
ونظرا لتدخل الموضوع بحق استخدام القوة في العلاقات الدولية، إلا أنه لا يمكن
مناقشته إلا من خلال حقل معرفي معين.
ومن هذا
المنطلق سوف نعتمد في مقاربة هذا الموضوع على منهج تحليلي متعدد المقتربات من أجل
الإحاطة بالجوانب القانونية وغيرها المتعلقة بإشكالية البحث مع الاستعانة بالمنهج
الاستقرائي وذلك من أجل استنباط واستقراء واقع الأحداث الدولية ومدى تأثرها بحق
استعمال القوة في العلاقات الدولية.
خطة البحث :
على هذا
النحو إذن وباعتماد مختلف هذه المناهج والوسائل سنتناول هذا الموضوع "حق
استعمال القوة دوره في صناعة الفعل السياسي الدولي"، من خلال فصلين :
الفصل الأول
: استعمال القوة في العلاقات الدولية
الفصل
الثاني : انعكاسات استعمال القوة على واقع الفعل السياسي الدولي
الفصل الأول
:
استعمال
القوة في العلاقات الدولية
إن القوة هي
إحدى الوسائل والأدوات التي تستخدمها الدولة لتحقيق أهدافها فمفهوم القوة شامل
يستند إلى مجموعة من العوامل ومنها العوامل الاقتصادية وسياسية وعسكرية وبشرية
تؤثر في بعضها البعض وتعد عاملا لتحقيق سياسة الدولة في العلاقات الدولية والمجتمع
الدول وهناك جملة من المظاهر المنظمة لاستخدام سياسة القوة في العلاقات الدولية
وأهمها : التدخل المباشر كالحرب العسكرية واستخدام القوة بشكل مباشر وغير مباشر
عبر المؤامرات وحرب العصابات والتحالفات الجماعية وتحالفات سياسية وعسكرية كالحلف
الأطلسي وتحالفات سياسية واقتصادية كالاتحاد الأوروبي.
ثم هناك
التدخلات غير المباشرة كالعقوبات الاقتصادية والسياسية أو ما يسمى بأسلوب الحرب
غير المعلنة.
ومن أبرز
الصفات الأساسية المميزة لظاهرة استخدام القوة في العلاقات الدولية هو استخدام
القوة الجماعية أي التنظيم الجماعي لظاهرة استخدام القوة والتي أخذت تظهر بعد
الحرب العالمية الثانية وبخاصة في فترة الحرب الباردة التي أدت إلى تشكيل المنظمات
الجماعية المختلفة بهدف تنظيم ظاهرة القوة وأن مجالات تنظيم هذه الظاهرة قد تنوعت
فظهرت بذلك المنظمات العسكرية والسياسية والاقتصادية.
كما أن هذه
القوة فإنها أصبحت تشكل دورا هاما في السياسة الدولية بحيث أصبحت تتحلى بوضوح في
التفاعل الحاصل بين الدول وبذلك تحولت مواضيع القوة في العلاقات الدولية من بين
المواضيع إثارة للخلاف حول مدى فعاليات ومقتضيات القانون الدولي وأحيانا حول حقيقة
وجوده ذلك أن الهدف من وراء ذلك هو محاولة الوقوف وتقنين استخدام القوة العسكرية
واللجوء إليها وذلك عن طريق ضبط مثل هذا الاستعمال ومع ذلك لازال هناك نصوص ونقص
يعتري الاتفاقيات والإعلانات إزاء بعض الموضوعات المتعلقة باستخدام القوة والمؤدية
إلى مجموعة من الاختلافات والانقسامات الحادة في هذا المجال ولعلها ساهمت بصورة
كبيرة في استخدام القوة في حالات عديدة وبصورة متعسفة وغير مبررة كما أن هذه
التفسيرات لاستعمال القوة فإنها تحتاج إلى دراسة مع مدى انسجامها مع القانون
الدولي قصد الإلمام باستخدام القوة في العلاقات الدولية ومعرفة حدود هذا الاستعمال
بكل أشكاله وتناقضاته حتى يتسنى لنا الوصول إلى حقيقة بأن العلاقات الدولية هي
علاقة أو علاقات بين الأعداء لايحكمها إلا
منطق القوة وأن السلام بمفهومه الأخلاقي ليس من عالم العلاقات الدولية كما أن
الاعتماد على القوة العسكرية دون غيرها لن يجعل العالم إمبراطورية واحدة كما أن
المفاهيم والنظريات نجدها توصى بالأعداد وامتلاك القوة لأنها ضرورة لإحقاق الحق
وإزالة العوائق وجميع حروب الهيمنة والحروب التوسعية ثم الحروب غير العادلة فهي
حروب استعمارية عدوانية وغير مشروعة وغير عادلة ذلك أن الحرب والمجابهة من صميم
العلاقات الدولية لذلك يقتضي الأمر امتلاك القوة واستعمالها لرد العدوان.
وبهذا فإنه
لا يجوز لأطراف المجتمع الدولي استخدام السلطان والاستعمال غير القانوني للقوة
العسكرية في العلاقات الدولية، مما يضع السلام والأمن الدوليين في خطر حقيقي
وخصوصا أن هناك من يقف فوق القانون وفوق البشرية وينتهكون حقوق الإنسان ويتصرفون
على هذا الأساس، وذلك من أجل فرض الهيمنة والتحكم في السياسة الدولية بدون منازع
ومن خلال هذا كله من ضروري والحكمة تقسيم هذا الفصل إلى مبحثين استعمال القوة في العلاقات
الدولية المبحث الأول، واقع استعمال القوة في العلاقات الدولية.
المبحث
الأول : اللجوء إلى القوة في العلاقات الدولية
من المعلوم
أن الحرب وسيلة من وسائل العنف تلجأ إليها الدول لفض المنازعات وخلافاتها أو سعيا
وراء تحقيق غاية أو مطمع سياسي أو إقليمي، ولما كانت هذه الظاهرة قديمة قدم
التاريخ الإنساني والقواعد القانونية التي تحكمها وتنظم سير عملياتها كانت محل
اهتمام القانون الدولي وموضوعا لاتفاقاته وقد تأصل قانون الحرب بعد أن أعلنت الدول استعدادها للحد من اللجوء إلى القوة
عن طريق إخضاع الأعمال العسكرية لبعض قواعد الأطراف وفرض الالتزامات بإصدار تصريح
سابق عن نشوبها.
وقد توجت
هذه الصيرورة بعد الإعلان عن حظر القوة في العلاقات الدولية وإن كان هذا الحظر غير
مطلق زد على ذلك أن الدول لا تتقيد به بشكل تام.
وعليه ومن
خلال هذا البحث سنعمل على دراسة ظاهرة استخدام القوة في المطلب الأول، ثم الواقع
الدولي لاستخدام القوة في المطلب الثاني.
المطلب
الأول : مظاهر استخدام القوة في العلاقات الدولية
في العلاقات
الدولية تتوزع مجموعة من الممارسات سواء كانت مشروعة أم غير مشروعة، ومن خلالها
يمكن تحديد مظاهر هذا الاستخدام ولكن هذه المظاهر تختلف وتتنوع حسب ما تقتضيه
الأحداث الدولية ومن المفيد بين هذه المظاهر وسوف نتطرق إلى التدخل في الفقرة
الأولى والعدوان في الفقرة الثانية.
الفقرة
الأولى : التدخل
1- تعريف التدخل :
لقد كان
التدخل في الأساليب الرئيسية التي استخدمتها الدول لاستعمال القوة في علاقاتها
الدولية منذ القدم، وشهد مفهوم هذه الفكرة تطورا كبيرا بموجب الحلف الأوروبي
المقدس، ثم تطورت الأفكار المتعلقة به إلى أن أصبح مظهرا غير مشروع من مظاهر
استخدام القوة في العصر الحالي الراهن ويرى البعض أن أحسن طريقة لتعريف التدخل هي
من خلال تعريف عدم التدخل، وفي هذا يقول تاليراند أن اللاتدخل كلمة تعني ما يعنيه
التدخل.
وأما كوست
فيحاول تقديم تعريف أسهل للتدخل حيث يقول تدخل دولة في شؤون دولة أخرى يهدف
إرادتها عليها، سواء كان الهدف إنسانيا أو غير إنساني.
ويرى محمد
طلعت الغنيمي أن التدخل هو تعرض دولة لشؤون دولة أخرى بطريقة استبدادية وبقصد
الإبقاء على الأمور الراهنة للأشياء أو تغييرها.
وأما
كوريفين فيرى أن التدخل هو إخلال دولة لسلطتها محل دولة أخرى بقصد تحقيق أثر
قانوني لا تستطيع دول أخرى بقية إرغامها على القيام بما تريد تحقيقه فإذا قابلت
السلطة المحلية محاولات التدخل بالمقاومة المسلحة انقلب الوضع إلى الحرب.
2- مفهوم التدخل :
ويرى
الدكتور فرتز غروب أنه من الصعب أو بالأحرى محاولة وضع تعريف للتدخل مستندا إلى
نفيه في محاولة لوضع تعريف للحرب ولكن على الرغم من صعوبة وضع تعريف مانع وجامع
لابد من محاولة جادة في هذا السبيل. وأحسن وسيلة لتحقيق ذلك هو وضع الإطار العام
لهذا التعريف ومناقشته، ثم محاولة وضع التعريف المطلوب كما أن أورس شفارتز هو أول
من وضع أول معالم هذا الإطار العام هي أن الغاية من التدخل تكون المحافظة من وجهة
نظر التدخل على الأقل، على الوضع القائم، سواء كان من الناحية السياسية أو
القانونية، وثانيا ميزان القوى بين الطرف المتدخل والطرف الآخر بشكل واضح في صالح
الأول إذ لا يعقل أن يتدخل طرف ضعيف في شؤون طرف قوي وإلا واحة الحرب، وثالثا فإن
التدخل هو عمل محدود بالوقت وبالوسائل ويمارس ضمن سياق العلاقات العامة الأخرى.
وأخيرا فإن
التدخل يقع سواء كان بدعوى من قبل الجهة المعنية به أم لا، وذلك لأنه موجه للتأثير
على البناء السياسي والاجتماعي للجهة الأخرى.
وهكذا فإن
التدخل هو موقف أو كحل دو مدة تقوم بواسطته دولة أو منظمة دولية أو مجموعة من
الدول بتجاوز أطراف العلاقة القائمة المتعارف عليها. وتحاول فرض إرادتها على دولة
أو مجموعة من الدول في سبيل إجبارها على القيام بعمل ما، أو اتخاذ موقف معين سواء
كان سياسيا أو معنويا أو قانونيا.
إن هذه
التعاريف أعلاه تعالج موضوع التدخل بناء على دعوة الطرف الآخر حيث لا توجد في هذه
الحالة فرض للإرادة من جانب آخر وبذلك تخرج هذه الحالة من مفهوم التدخل وتصبح
مساعدة أو تعاون أو تنفيذ معاهدة أو بناء على التزام بموجب التحالف وما شاكل ذلك.
هذا ويميل
البعض إلى توسيع مفهوم التدخل بحيث يشمل صورا كثيرة جدا في صور العلاقات بينما
يميل البعض الآخر لإعطاءه مفهوما أضيق والتدخل ينطبق فقط على العلاقات بين الدول
وليس بين الأفراد والأحزاب والجماعات السياسية أو المنظمات أو الجماعات الخاصة أو
بين الدول، وإذا ما حدت التدخل من قبل مجموعات لا علاقة بها مع الدول المتهمة
بالتدخل ويتمثل ذلك في أعمال التسلل وأعمال التخريب وحركات العصابات فمن الضروري
معرفة وجود مثل هذه العلاقة مع الدول الأجنبية قبل إمكان وصف العمل بأنه تدخل.
3- أهداف وغايات التدخل :
غالبا ما
تكون الغايات المعلنة للتدخل غايات نبيلة وأهداف عليا تتذرع بها الدولة المتداخلة،
فقد يكون ذلك بشكل نشر إديولوجية معينة أو عقيدة دينية معينة أو الحفاظ على الوضع
القائم ضد الاضطرابات والفوضى ويمكن للباحث أن يجد أسس تلك الأفكار في حلف
المقدس، الذي عقد بالاستناد على الديانة
المسيحية للتدخل ضد الحركات الثورية التي كانت تجتاح أوربا في بداية القرن التاسع
عشر. ولقد بقيت فكرة التدخل موجودة لدى الدول الأوربية حتى بعد زوال أسباب قيام
الحلف المقدس وإندثاره، فقد اعتبرت هذه الدول نفسها عند القدم ولاسيما بعد سنة
1848 لأنها الدول الأكثر تحضرا وإنسانية في العالم وأن الديانة والحضارة المسيحية
يجب أن تسود العالم وعلى هذا فإن التدخل في سبيل نشر هذه الديانة والحضارة
والثقافة كان هدفا ساميا يجب الالتزام به مما زاد في ذلك الاعتقاد ضعف وهزال
الدولة العثمانية وطمع الدولة الأوربية في استعادة المناطق الأوربية التي كانت تحت
سيطرتها مثل اليونان وبلغاريا وصربيا على أساس مساعدة سكانها المسيحيين.
وقد كان
التدخل أيضا يتم أحيانا من أجل الحفاظ على الهيبة الوطنية أو على حياة المواطنين
الأجانب، كما حدث في الصين عام 1900 عندما أرسلت الدول العربية قوات عسكرية للحفاظ
على سفارتها هناك من الثورة التي نشبت في الصين بعد إنقسام العالم إلى معسكرين،
فقد أصبح لكل معسكر أهدافه ومبرراته الخاصة للتدخل، فالمعسكر الرأسمالي يرى أن
أهداف التدخل المشروع هو نشر الديمقراطية والحرية وحق تقرير المصير بينما يضيف
المعسكر الاشتراكي لذلك نشر الشيوعية والأفكار الماركسية اللينينية وتشجيع الثورات
التحررية ومكافحة الثورات المضادة إلا أن الواقع الذي نلمسه اليوم يرينا أن كلا من
المعسكرين يحاول تحقيق مصلحته الذاتية وراء التستر بهذه القيم والأهداف المعلنة.
4- القانون الدولي لا يقر التدخل المنفرد :
إن الحجج
والأسانيد القانونية التي يبديها مؤيدوا التدخل الإنساني تغض الطرف عن حقيقة
الممارسة الدولية والموقف الفعلي لمختلف الصكوك الدولية المتعلقة باستخدام القوة
يضاف إلى ذلك أن نظرية التدخل وأسانيدها الدائمة لها تقرأ القواعد والمبادئ
الدولية المعمول بها قرأت مجزأة وانتقائية، فتقييم استخدام القوة بشكل منفرد
لأغراض إنسانية لا يتم إلا من خلال الموازنة بينه وبين عدد من المبادئ الأساسية
المستقرة في القانون الدولي مثل مبدأ تحريم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، مبدأ
وجوب تسوية النزاعات الدولية سلميا ومبدأ تحريم وحدة أراضي الدولة واستقلالها
السياسي.
كما تتضمن
أسانيد التيار المؤيد للتدخل الإنساني وإنكار وإهدار واضح لمقررات الجمعية العامة
التي تحرم استخدام القوة في العلاقات الدولية تعريفا شاملا بمقتضى ميثاق الأمم
المتحدة. يستثنى الإعلان رقم 2625 الخاص بمبادئ القانون الدولي المحصلة بالعلاقات
الودية والتعاون بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة من نطاقه الحق في التدخل ولا
يتضمن لحد الآن أي نص يتعلق بالتدخل الإنساني تؤيد توصيات الجمعية العامة رقم 3314
سنة 1974 الخاصة بتعريف العدوان في المادة الخامسة منها ما ورد في إعلان العلاقات
الودية رقم 2625 سنة 1974 حيث نصت على "ما من اعتبار أيا كانت طبيعته سواء
كان سياسيا أو اقتصاديا أم عسكريا أو غير ذلك يصح أن يتخذ مبررا لارتكاب عدوان".
تتنكر الأسانيد
القانونية الداعمة لنظرية التدخل الإنساني لمضمون حكم محكمة العدل الدولية في قضية
الأنشطة العسكرية وشبه العسكرية في نيكاراغوا وضدها فقد رفعت المحكمة فكرة التدخل
الإنساني العكسري.
لقد أوضحت
المحكمة هذه القضية أن استخدام القوة ليس أسلوبا مناسبا لضمان احترام حقوق الإنسان
من قبل الدول.
فليس ثمة
تناسب بين استخدام القوة وبين العمل من أجل ضمان احترام الحقوق الأساسية في الدول
الأخرى فعادة ما يؤدي استخدام القوة حتى لو كان لأغراض إنسانية محضة.
إن حكم
المحكمة قاطع في دلالته، ولا محال لتأويله أو لوصفه إلا بأنه رفض كامل وصارم لأي
ادعاء بوجود حق يجيز للدول استخدام القوة بغية ضمان احترام حقوق الإنسان الأساسية
كما يتعذر النظر إلى هذا الحكم بأنه تمرة فشل الولايات المتحدة في إثبات توافر
الغايات الإنسانية الرافعة لها للقيام بأعمالها العسكرية ويستنتج من الممارسات
العملية للدول الخاصة بالقرار 688/1991 أن الغرض الإنساني لم يكن هو الدافع
الأساسي لهذه الممارسة كما أن التدخل لا يستند إلا لنظرية التدخل الإنساني إلا
جزئيا وفي بداية الأمر دون أي سند قانوني أما حجتها الأساسية في تبرير تدخلها فإن
يرتكز على قرار مجلس الأمن ثم تتذرع بعد ذلك بالدفاع عن النفس فنظرية التدخل لا
حجة لها ولا دريعة لها وحدها ولهذا فإن التدخل المنفرد فإنه يعتبر صورة من استخدام
القوة ترتكز له الدول في تدخلاتها مثل تدخل حلف شمال الأطلس في كوسوفو عام 1999.
5- إعلان الأمم المتحدة لتحريم التدخل :
تبنت
الجمعية العامة للأمم المتحدة لمشروع قرار أعلنت فيه عن نيتها لمنع التدخل، وذلك
في الوقف الذي كان فيه العام يشهد فيه الكثير من حالات التدخل مثل تدخل الولايات
المتحدة الأمريكية في فيتنام، ولم يكن هذا الإعلان ميثاقا جديدا ضد التدخل إذ لم
يقدم أي قواعد قانونية جديدة فلم يزد عن كونه تأكيدا على المبادئ الأساسية
المعروفة لعدم التدخل ولقد أشار الإعلان وفي مقدمة المواثيق المنظمة الإقليمية مثل
منظمة الدول الأمريكية وجامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية كما أكد على
قرارات مؤتمر باندونع، ومؤتمر رؤساء الدول عدم الانحياز المعقود سنة 1961 في بلغراد إلى أن الجزء المهم من هذا القرار ينص
على أن لكل دولة الحق في اختيار نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي دون أي تدخل
في أي دولة أخرى ولا يحق لأية دولة أن تتدخل بشكل مباشر أو غير مباشر لأي سبب مهما
كانت الشؤون الداخلية والخارجية لأية دولة أخرى، لذا فالتدخل المسلح وكافة الأشكال
الأخرى المدخلات والتهديدات ضد شخصية الدولة أو ضد نظامها السياسي أو الاقتصادي
والثقافي تعتبر مدانة وعلى جميع الدول أن تمتنع عن تنظيم ومساعدة تحويل وتشجيع
الفعاليات المسلحة ذات الطبيعة الإرهابية أو العصيانية التي تهدف إلى تبديل نظام
الحكومة دولة أخرى بالقوة أو بالتدخل في المنازعات الداخلية لدولة أخرى لا شيء في
هذا الإعلان ينبغي أن يؤثر بأي شكل من الأشكال على تطبيق سواء ميثاق الأمم المتحدة
لإدامة السلم والأمن العالمي وخاصة تلك المواد الواردة في الفصل السادس والسابع والثامن.
إن جوهر هذا
الإعلان تم تبنيه من قبل أكثر من مائة دولة هو إدانة التدخل الفردي للدول بكافة
جوانبه وأشكاله إن التركيز على عدم مخالفة في احتلال التدخل الجماعي من قبل هيئة
الأمم المتحدة محل التدخل الفردي.
وأخيرا لابد
من الإشارة إلى المادة 52 من الميثاق، التي منحت المنظمات الإقليمية الحق في
معالجة القضايا المتعلقة بالمحافظة على السلم والأمن الدوليين في مناطقها الخاصة.
وهي بذلك
تتساوى في صلاحية استخدام التدخل الجماعي المعطاة ومنظمة الدول الأمريكية ومنظمة
الوحدة الأفريقية ولها جميعا إمكانية التدخل الجماعي لحفظ السلم والأمن الدوليين
وتتمتع القوات التابعة لها بميزة ارتداء الملابس والعلامات المميزة لقوات الأمم
المتحدة.
6- التدخل الجماعي والتدخل الفردي :
لاحظنا أن
القانون الدولي التقليدي كان حتى نهاية الحرب العالمية الأولى يعترف بحق التدخل
بصورة منفردة، لذا كان بإمكان أية دولة عند توفير بعض الظروف، أن تتولى تطبيق
القانون كما تشاء وأما الفقرة الكائنة بين الحربين، والتي شهدت نشوء وسقوط عصبة
الأمم ومحكمة العدل الدولية الدائمة،
فيمكن اعتبارها بمثابة فترة انتقال حيث سادت الشكوك حول حق الدول الكبرى في التدخل
وبعد ظهور الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية والمنظمات الدولية أصبح التدخل
يعتمد على فكرتين أساسيتين هما :
1- أن المساواة بين الدول بغض النظر عن حجمهما
ونفوذها أصبحت قاعدة أساسية. وذلك على الرغم من الحقيقة السياسية ووجود العملاقين
وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية إذ لم يعد بإمكانهما الهيمنة على العالم بشكل
كامل. وإن أي قاعدة قانونية دولية لا تنطبق على جميع الدول بالتساوي ولا تعتبر
قاعدة صالحة وهكذا أصبح على الدول الكبرى أن تسمع رأي الدول الصغرى، وأن تأخذ به
وأصبحت الدول الصغرى والشعوب التي كانت ضعيفة ومغلوبة على أمرها ومستعمرة ذات
تأثير على الأمم المتحدة وذات كلمة مسموعة ولها دور كبير تلعبه في المحافل
الدولية.
2- إن وسائل حماية مصالح الدولة قد تطورت
وتوسعت وتحسنت كثيرا ويتوقع من الدول أن تستفيد من الإمكانيات المتاحة لها من قبل
الأمم المتحدة لتنفيذها ولقد أصبحت فكرة سيادة الدولة، فمن مفهوم عدم التدخل فكرة
مطلقة تقريبا إذا ما نظر إليها من الجانب السلبي، أي جانب عدم التدخل في الشؤون
الداخلية للدول، أما الجانب الإيجابي فإن سيادة الدول أصبحت محدودة من حيث إمكانية
تطبيق نظام الأمن الجماعي المنشار إليها سابقا.
وهكذا أصبح
التدخل من قبل دولة منفردة بشؤون أخرى يعتبر إجماع الدول أمرا ممنوعا وغير مشروع
ولكن نظرا لأن التسويات وأحيانا الإكراه يبقى ضروريا إلى درجة ما في البيئة
الدولية فإن الحل يكمن في فكرة الحل والتدخل الجماعي لذا فالتدخل الجماعي الذي يتم
ضمن إطار منظمة دولية معترفا بها، لقيادة قوة مشتركة لصياغة السلم والأمن الدولي
يمكن أن يعتبر مشروعا وفي الفقه القانوني الدولي والممارسة الدولية المعاصرة لا
يعتبر التدخل مشروعا إلا إذا تم بالنيابة عن الأمم المتحدة أو المنظمات المنظمة
على غرارها.
الفقرة
الثانية : العدوان
رغم فظاعة
الحرب ونتائجها على البشرية والطبيعة والحياة، مازالت الحرب مقبولة من حيث المبدأ
في المنطق الدولي والمنظمات الدولية والحكومية وما زال تعريف جريمة العدوان ينتظر
دخوله حرمة المحكمة الجنائية الدولية، ولقد أظهرت معطيات علم الأناسة أن الحرب
ظاهرة منتشرة بكثرة وإن اختلف تواترها وتواجدها بين الشعوب وكان بعضها مثل
الاسكيمو والاندمانيز فمن الصعب معرفة كم من الشعوب المسالمة التي أبيدت لأن خيار
السلام لم يكن عالميا وبقي قانون الغاب يعطى الأقوى الحق في البقاء والهيمنة.
1- تعريف العدوان :
شغلت مشكلة
تعريف العدوان الحكماء والفلاسفة على مدى القرون العديدة وقد انبثق مفهوم العدوان
منذ أيام روما القديمة ويعيد مؤرخو القانون مصطلح العدوان إلى الكلمة اللاتينية Aggressio أي الاعتداء، وكان من أقدم التعاريف الظاهرة اعتداء من دولة أقوى
على دولة أضعف لتحقيق مكاسب ومصالح والتوسع في حدود وثروات المعتدى شهد في قواميس
علم الاناسة الانتروبولوجيا تعبير جماعة بدل دولة باعتبار العدوان قد سبق الدول.
كما إن قد
يكون المبرر الأخلاقي الرئيسي للحرب هو صيانة الأبرياء من الضرر الأكيد لقد ألف
القديس أوغسطين كتابه مدينة الإله في القرن الخامس الميلادي وكان لعمله هذا بالغ
الأثر في فكرة الحرب العادلة كما أكد على ضرورة بناء منظومة متكاملة للعلاقات
السلمية بين البشر وعدم حصر الموضوع بالتعبير المسلح لا يكمن السلام الحقيقي وحسب
في غياب الصراعات المسلحة وإنما في النظام السلمي على العكس من غياب الحرب لا يعني
بالضرورة غياب الصراع.
ولقد أوجدت
البشرية أشكالا متعددة لحماية نفسها من العدوان وفظائع الحرب أو على الأقل من
أهوال الاعتداء على النفس والعرض والمعتقد والطبيعة والأرض في المجتمع العربي قبل
الإسلام بحيث ابتكر العرب الأشهر الحرم وهي أشهر يحرم فيها وقوع الحرب لأي سبب كان
ولأي مبرر كان حفاظا للنفوس وردا للعدوان وبحثا عن الوسائل السلمية في حل
النزاعات.
2- أعمال العدوان :
لقد جاء
ميثاق الأمم المتحدة خاليا من أي تعريف للعدوان ويعود السبب في ذلك برأي البعض إلى
الرغبة في تجنب تحديد المفهوم والاحتمال ألا يأتي التعريف دقيقا وشاملا مما يؤدي
لاستفادة المعتدي من ذلك.
هذا
بالإضافة إلى أن مصطلح العدوان يشمل جوانب سياسية وقانونية وعسكرية ومنطقية يصعب
إدراجها في تعريف واحد وجامع.
ولقد ارتؤي
أثناء الأعمال التحضيرية للأمم المتحدة ترك تحديد العدوان إلى مجلس الأمن، وفعلا
فإن المجلس المذكور قد لجأ في كثير من المناسبات إلى تعريف العدوان كما أن الأمم
المتحدة لم تنفك عن محاولاتها لتعريف العدوان، ولقد كانت أول محاولة جدية لذلك هو
المقترح الذي تقدم به الاتحاد السوفيتي في الدورة الخامسة والذي بين فيه أنه من أي
صراع ذو طبيعة دولية تعتبر الدولة معتدية إذا كانت البادئة بارتكاب أحد الأعمال
التالية : إعلان الحرب، غزو إقليم دولة أخرى بقواتها المسلحة، قصف إقليم دولة
أخرى، مهاجمة السفن والطائرات، إنزال أو قيادة قوات مسلحة داخل حدود دولة أخرى دون
إذن منها، اللجوء إلى الحصار البحري.
أحيل هذا
المشروع إلى بعثة القانون الدولي والتي قررت أن تعالج الموضوع بإضافة ما يلي :
المادة 2 من بروتوكول الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية المقترح (أي عمل من أعمال
العدوان بما في ذلك استخدام القوات المسلحة بناء على سلطة الدولة ضد دولة أخرى لأي
هدف خلاف الدفاع عن النفس الفردي أو الجماعي أو تنفيذا لقرار صادر عن إحدى أجهزة
الأمم المتحدة المختصة.
ولقد تم
النظر في الموضوع مرة أخرى في الدورة السادسة للجمعية العامة حيث أحيل إلى اللجنة
السادسة التي كلفت بدراسة العدوان وتعريفه ولقد طرح أمامها العديد من المشاريع
والقرارات ومن بينها مشروع معدل لمشروع التعريف السوفيتي وإنقسمت الآراء داخل
اللجنة فكان البعض يرى عدم إمكانية وضع تعريف شامل للعدوان لأنه سيغفل حتما ذكر
بعض الأفعال التي يمكن تصنف كعدوان مما يجعل المعتدين يرتكبون أعمالا عدوانية دون
إمكان إدانتهم.
ويرى البعض
الآخر ضرورة وضع تعريف للعدوان بحيث يكون مرشدا للدول إضافة إلى أن ذلك يعتبر خطوة
هامة في تقدم القانون الدولي، في ردع الدول التي تفكر في الاعتداء وإن وجود تعريف
ناقص خير من عدم وجوده وإذا وجدت عيوب فيمكن تعديلها فيما بعد على أن الموافقة لم
تحصل بهذه السهولة فقد استمرت اللجنة الخاصة في جهودها ومناقشتها وأخيرا تمكنت من
وضع مسودة قرار بهذا الشأن تبنتها الجمعية العامة في نهاية عام 1974، لقد عرف القرار العدوان بأنه استخدام القوة
المسلحة من قبل دولة ضد سيادة دولة أخرى أو وحدتها الإقليمية أو استقلالها السياسي
أو بأي أسلوب يتناقض مع ميثاق الأمم المتحدة كما هو مبين في هذا التعريف.
وبموجب هذا
التعريف، يعتبر استخدام القوة من جانب إحدى الدول دليلا أوليا وإن لم يكن قاطعا
على العدوان أي أن بإمكان مجلس الأمن أن يتوصل إلى قرار مخالف أو معاكس على ضوء
الظروف الخاصة بالقضية.
وعلى هذا
وبغض النظر عن وجود إعلان الحرب أم لا، فإن الأعمال التالية تعتبر أعمالا عدوانية
:
أولا : غزو
أو هجوم دولة ما بقواتها المسلحة على أرض دولة أخرى أو أي احتلال عسكري مهما كان
مؤقتا ناجم عن هذا الغزو أو أي ضم باستخدام القوة المسلحة لأراضي دولة أخرى أو جزء
منها.
ثانيا : قصف
دولة ما بقواتها المسلحة أراضي دولة أخرى أو استخدام أية أسلحة من قبل دولة ضد
أراضي دولة أخرى.
ثالثا :
حصار موانئ أو سواحل دولة ما من جانب القوات المسلحة التابعة لدولة أخرى.
رابعا : أي
هجوم تقوم به القوات المسلحة لدولة على القوات البرية أو البحرية أو الجوية لدولة
أخرى.
خامسا :
استخدام القوات المسلحة لدولة ما الموجودة داخل أراضي دولة أخرى بموافقة الدولة
المستقلة على نحو يناقض الشروط المنصوص عليها في الاتفاق أو أي تحديد لبقائها في
هذه الأراضي إلى ما بعد إنتهاء الاتفاق.
المصدر:
http://mail.syriasteps.com/index.php?d=160&id=243