ما معنى أن نخسر مع قدوم صباح جديد يوماً آخر من عمرنا الزمني، وننطلق إلى عملنا نحقق فيه الربح والخسارة التي تحتاجها الحياة، فأمام كل رابح هناك خاسر، وهذا يريد أن يعوض خسارته والآخر غايته تعزيز ربحه، بديهي أنها ضد الربح ونقيضه في كامل ما تعنيه من معاني وتحاليل وأفكار مؤلمة موجعة تجهّم الوجه وتحبط القدرات المادية واللامادية، تحوِّل الشكر والعرفان والحمد إلى أسف وإرباك، ومراجعة لآليات حدوثها؛ الذي يوجد لها المبررات المنطقية والواقعية التي أدت إلى حدوثها وتحوِّل العاقل و غير العاقل إلى حالة من التفكر و الهذيان والكفر والطغيان .
لا أحد يتمنى الخسارة، ولكن السؤال يفرض نفسه: متى نخسر، وكيف نخسر، ولماذا نخسر، وهل هناك من داع لحدوثها، وهل الخطأ الطبيعي خسارة بكون كل من يعمل يخطئ ومن لا يعمل لا يخطئ، فهل الذي لا يعمل لا يخسر، وهل الذي يعمل يخسر إذا أخطأ، وهل المكونات العقلية المسؤولة عن التعلم والتعليم والفهم الحاملة لجمل الأخلاق التي يعيش بها مجموع السلوك الإنساني تخضع لمساءلة لماذا حدثت الخسارة، وهل يمكن أيضاً أن نخسر من ربحنا لنقول إننا خسرنا وحينما يحتاج عملنا أن يكون على تمامه وننتقص منه شيئاً مرئياً أو لا مرئياً بغاية التوفير وإحداث ربح شخصي مضاف، هل هنا نحقق معادلة ربح الربح وخسارة جودة المنتج، وماذا يعني لنا ونحن قادرون على إنجاز الفعل أو العمل المطلوب بدقة وتدقيقه قبل أن نسلمه، ألا يعني لنا هذا تحويل فائض الربح الذي كنا سنخسره لو لم نضف الإضافات المهمة التي بها نختم عملنا أو منتجنا إلى ربح مادي مضاعف وعليه الثناء، وحينما يتعود الناس على منتج جيد يجب الحفاظ عليه؛ بكون منتجه يربح منه، فإذا انتقص من جودة منتجه اكتشفه الناس بسرعة وتخلوا عنه لتحدث الخسارة الكبرى، أليس الكذب والكذبة خسارة، حتى وإن كانت ذات حبكة درامية مقنعة مؤثرة ومحرضة حين اقترابها كثيراً من الحقيقة، ماذا يحدث حين اكتشاف أنها كذبة وانطلت، لماذا تخسر مجتمعاتنا دائماً في التقدم إلى الأمام، وفي كامل صنوف نتاجات الحياة العملية تعيش على الاستهلاك، أي تستهلك بعضها دون إحداث خرق إبداعي، هل الخسارة هي عدم تعود العمل، وعدم المقدرة للوصول بالمنتج لدرجة الجودة التي تحقق المنافسة، وهل الربح فقط في أن نتعلم ألاّ نخسر حينما لا نحوله إلى عمل يُنتفع به، نخسر في الحب بدءاً من الشخصي مروراً بالاجتماعي وانتهاءً بالمحيط الأممي، ونخسر بعدم التصارح والتصالح مع بعضنا وبين مظهرنا وجوهرنا، نخسر حينما لا نتعلم الوقوف خلف بعضنا على سلم الصعود، نخسر حينما نستسلم لأقدارنا ونحيل عليها كامل أسباب فشلنا والفشل يعني الخسارة .
في المعاجم خَسِرَ في البيع خسراً وخسراناً وخَسَرْتُ الشيء و أخْسَرته : نقصته والتخسير الإهلاك والخَسارَ والخَسارَة والخَيْسَري : الضلال والهلاك وصديق مخسر عدو مبين .
إنني أعتقد أن الخسارة الحقيقية هي خسارة الوقت حينما لا نعرف قيمته وقيمه، كما أن من يعتقد بخسارة العالم ليربح نفسه فهو خاسر، وخسارة النفس من أجل ربح العالم أيضاً هي خسارة ما بعدها خسارة، الفعل والانفعال الهمة والعمل والنشاط والإيمان بأن الإنسان السليم قادر دائماً على التعويض، فبدون الخسارة ما كان ربح، وبدون النتوءات والحُفَرْ وكلام الحق ما كان الكَلِمْ «الجرح»، وبدون العمل ما كان هناك أمل، فالأمل بالعمل، والربح يأتي بالاجتهاد والجد، وتحول كل قادم جديد إلى مفهوم عمل يطلب الجودة ويجتهد لها يمنع الخسارة ويزيد الأمل في الحياة .
الدكتور نبيل طعمة
المصدر:
http://mail.syriasteps.com/index.php?d=160&id=266