ربما المال وسطوة المال، وحده، هو الذي يعطي انتخابات غرف التجارة
والصناعة، ومعها السياحة والزراعة والملاحة البحرية والمقاولين والمصدرين،
هذا الاهتمام والمتابعة الرسمية والجماهيرية الشعبية والإعلامية التي لا
نجدها بهذا الحجم والزخم والدعاية الانتخابية المكلفة التي تتجاوز حدود
الناخبين المعنيين، لتخرج وتصل إلى الجمهور والمتفرجين الذين لا ناقة لهم
ولا جمل ولا دور ولا صوت انتخابيا يخدم العملية الانتخابية، كالانتخابات
البرلمانية التي يروج لها مرشحو هذه النقابات والاتحادات، فيما لا نجد مثل
هذا الطقس الانتخابي الحامي الوطيس داخل حدود نقابات الأطباء والمحامين
والمهندسين والنقابات العمالية والفلاحية والحرفية والمهن المحاسبية
والمالية وانتخابات مهنة البحث عن المتاعب ونعني بطبيعة الحال الصحفيين
والأدباء والفنانين والتشكيليين، رغم أهمية دورهم وحضورهم وفاعليتهم على
الساحة،، وتأثيرهم في الشأن العام، وعلى الرأي العام، بما يفوق النقابات
والاتحادات إياها، وتلك مفارقة يصعب تحديد ماهيتها وكنهها ومبرراتها
وأسبابها ودواعيها التي لا نراها تبتعد كثيرا عن طيف ودغدغة سحر المال
وتأثيره!!
وإذا كان الأمر على هذا النحو، فإن السؤال الذي يطرح نفسه ويدور في
الأذهان: هل ارتقى أداء تلك الغرف واتحاداتها لمستوى الرواج الذي تلقاه في
الشارع؟ وما هي، وأين المشاريع الإنتاجية الضخمة ذات التأثير الاقتصادي
البارز – ماعدا استثناءات قليلة – التي أرستها وأسستها لتكون السند والمعين
الذي يؤمن فرص العمل ويدعم الخزينة ويفتح الأسواق؟ ونسأل: هل تسديد فاتورة
إطعام تكريمي، أو تقديم لباس وقرطاسية مدرسية، أو مبلغ نقدي، يمكن أن يكون
بديلاً لدى المستهدفين – وهم كثر – الذين يفترض أن المكرمة تكمن بتكريمهم،
والعكس غير صحيح!!
ترى أين المشكلة: في الذهنية؟ في القوانين والتشريعات والأنظمة؟ في
التدخلات التي يمكن أن تحصل؟ ولماذا نرى أصحاب تلك الرساميل – وهم الأعضاء
في تلك التجمعات والتنظيمات – يؤسسون ويمتلكون مشاريع انتاجية رائدة لكن
خارج الحدود، مع الأسف!؟
وهنا من المهم القول أن بعض الصناعيين والتجار الكبار لا يخفون سرديات
الأوجاع والمكابدات والعراقيل والتدخلات و”المحاصصات” التي تفرض في بعض
الأحيان، و”التطفيش” الذي يمارسه البعض من المتنفذين في مراكز التأثير
والقرار بحق رأس المال الجبان أصلا!
وهذه مسؤولية يفترض التصدي لها ومواجهتها ومعالجتها، لا التنصل منها أو
تجاهلها والتعامي عنها ونكرانها على قاعدة توفير البيئة الاستثمارية الآمنة
المستقرة، وإلا لن تقوم لمشروعاتنا الاستثمارية الخاصة المنتظرة قائمة…
صحيح أن مستثمرينا وتجارنا وصناعيينا ليسوا من صنف ولا جنس الملائكة،
لكن يبقى القانون وحسن التمسك به هو الضامن وبيت أمان الجميع، سيما وأن
عشرات ومئات المشاريع التي هربت وفرّت لتسكن خارج الوطن، أو توقفت أو تراجع
أصحابها، وهنا مربط الفرس الذي لا يجب أن يغيب أو يمر مرورا عابرا، وهذا
ما نراه أحد أهم الأدوار التي يجب أن تتصدى لها الحكومة وشغلها الشاغل بكل
وضوح وجرأة وثقة
البعث