سيرياستيبس
مئات الطلبة الذين
وصلوا إلى الهند منذ بداية أيلول 2019 لم يحصلوا حتى اليوم على أيٍ من المستحقات المادية
التي وعدوا بها، كما وجد الكثير منهم نفسه مقبولاً باختصاصٍ يختلف عن اختصاصه، وبدأت
الحيرة والتساؤلات التي لم يجدوا لها إجابة لا عند السفارة السورية في الهند، ولا في
اتحاد الطلبة، وبعد أشهر من وصولهم، تحوّل التفكير من التخطيط للمستقبل إلى التخطيط
للعودة إلى سورية قبل اكتمال المنحة، وذلك لأن المصاريف المادية صارت مرهقة جداً، وخاصة
على الذين تقدموا للمنحة – أساساً - بناء على أنها ممولة من الجانب الهندي، وبالنسبة
لاتحاد الطلبة الذي ألقى بالكرة على الروتين الهندي، فما تزال الأمور مبهمة ودون إجابات،
أما وزارة التعليم العالي والبحث العلمي فطمأنت بأن الجميع سيحصلون على مستحقاتهم.
حاولت "الايام"
على مدى أشهر التواصل مباشرة مع السفارة الهندية في دمشق، وأرسلنا كتاباً نطلب فيه
إجراء لقاء مع الملحق الثقافي حول المنحة المقدمة للطلاب السوريين، وطلبت السفارة أن
نوجه الكتاب للسفير مباشرة لأنه من سيجري المقابلة "بعد عودته من السفر"،
وبالفعل وجهنا الكتاب إلى السفير وتوسعنا في موضوع اللقاء ليشمل كامل منظومة التعليم
العالي في الهند وتأثيرها على تغيير البنية الاجتماعية.
وطيلة أسابيع كانت
السفارة تجيب على استفساراتنا بالتأجيل، تلو التأجيل.
ماهية المنحة
مئات الطلبة السوريين
منحتهم جمهورية الهند – مشكورة – منحاً دراسية لمرحلتي الدراسة الجامعية الأولى والدراسات
العليا (ماجستير – دكتوراه)، في مختلف الاختصاصات المتوفرة في الجامعات الهندية باستثناء
الاختصاصات الطبية، وذلك ضمن إطار التبادل الثقافي بين البلدين. وأعلنت وزارة التعليم
العالي والبحث العلمي عن بدء التقدم للمنح من تاريخ 11 نيسان 2019 وحتى الـ 30 منه،
مرفقة في إعلان المنحة كل الشروط المطلوب توافرها في المتقدمين، مع ماهية المنحة التي
تضمنت التزامات الجانب الهندي، وكانت (إعفاء من رسوم الدراسة – والإقامة في السكن الجامعي)
والالتزامات المالية للطلبة في حال قبولهم والتي تتضمن: (نفقات السفر ذهاباً وإياباً
– أي نفقات أخرى لم يتم ذكرها في فقرة ماهية المنحة).
لكن الوزارة أصدرت
بعد مدة قصيرة من الإعلان الأول ملحقاً له، فيه تعديلان؛ الأول هو أن تكون شهادة الإجازة
الجامعية وشهادة الماجستير (للمتقدمين لدراسة الدكتوراه) صادرة عن إحدى الجامعات الحكومية
ولا تقبل شهادات التعليم المفتوح والجامعة الافتراضية، والتعديل الثاني، وهو موضوعنا،
لماهية المنحة فهو كالتالي:
إعفاء من الرسوم
الدراسية، الإقامة في السكن الجامعي، تذاكر السفر بالطائرة للطلاب المقبولين، ثلاث
وجبات طعام يومية ضمن السكن الجامعي، راتب شهري ما بين الخمسة آلاف والسبعة آلاف روبية
هندية شهرياً حسب الدرجة الدراسية للطالب، كافة مصاريف سمات الدخول للأراضي الهندية
مجانية، شرط أن يقوم الطالب بالتسجيل في الجامعة فور وصوله.
مجموعة من الطلبة
الذين حصلوا على المنحة، راسلوا "الأيام" يبحثون عبرها عن جواب للسؤال التالي:
هل سيحصلون على رواتب وبَدَل كرت الطائرة أم لا؟ لأن كل الجهات التي لجؤوا إليها ومن
ضمنها اتحاد الطلبة والسفارة السورية في الهند لم تعطهم جواباً حاسماً.
"لا قدرانة فل.. ولا قدرانة ابقى"
يقول أحد الطلاب:
لا نستطيع إلا أن نشكر جمهورية الهند على المنح المقدمة لنا، لكن للأسف أوضاعنا حالياً
سيئة جداً، فقد وصلنا إلى الهند وكنا نظن أننا سنتقاضى فوراً بدَل كرت الطائرة على
الأقل، لكننا لم نحصل ولو على روبية واحدة لا كراتب ولا كبدل تذكرة، تحملنا في البداية
ظناً منا أنه تأخير روتيني بسيط، لكن الفترة اليوم زادت على خمسة أشهر، وكثيرون يفكرون
بالعودة إلى سوريا لعدم مقدرتهم على الاستمرار.
وزاد الطين بلة الاجتماع
الذي عقدته الجهة المسؤولة عن المنحة (study in india) مع مجموعة من الطلبة منذ أكثر من شهر، وأعلنت خلاله عدم تقديم رواتب للطلبة،
فتواصلنا مع اتحاد الطلبة السوريين في الهند فلم يؤكدوا ولم ينفوا، كذلك حاولنا التواصل
مع السفارة ولم نحصل على جواب، والجواب الوحيد الذي نحصل عليه هو: لا يوجد قرار، ولا
يوجد شيء أكيد.
طالبة دراسات عليا
أيدت الكلام السابق، وأضافت أن الخوف والضياع هما سيدا الموقف الآن، إذ أن ما ادخره
الطلبة للطوارئ يكاد ينفذ، مؤكدة أن كل طالب أنفق بالحد الأدنى مليون ليرة ما بين نفقات
السفر والمصروف الشخصي بحد الكفاف خلال الأشهر الخمسة الماضية، متسائلة: من سيعوضنا؟
ومتى؟ وأضافت: هذا الأمر قسم الطلبة إلى قسمين، الأول قرر البقاء وتحمل الظروف مهما
كانت مع معونات من أهاليهم، والقسم الأكبر يفكر جدياً بالعودة إلى سوريا والتخلي عن
المنحة لضعف قدرتهم وقدرة أهاليهم المادية، واستحالة الحصول على معونة من أحد، لكن
هؤلاء أنفسهم يخشون أن يعودوا إلى سوريا ويتم صرف الرواتب في الشهر الرابع كما يقال،
فيضيّعون المنحة، وبعضهم أساساً ضيّع وظيفة في سوريا عندما تركها وسافر إلى الهند،
وهنا المشكلة الكبرى، أننا كطلبة لا نحصل على جواب مؤكد من أية جهة، لا الجانب الهندي،
ولا اتحاد الطلبة، ولا السفارة السورية، لذا قرر الغالبية البقاء حتى الشهر الرابع
وتحمل كل الظروف الصعبة، لكن أيضاً إن بقينا حتى الشهر الرابع، نكون على مشارف نهاية
العام الأول من المنحة، وهذا سيزيد من صعوبة الموقف وصعوبة اتخاذ قرار العودة بعد أن
وصلنا إلى منتصف الطريق، وإن تجاوزنا كل ما سبق وقررنا العودة، فإن تذكرة العودة تصل
قيمتها إلى حوالي 500 دولار، والغالبية العظمى لا يملكون هذا المبلغ.
طالب مرحلة جامعية،
تحدث عن موضوع أخطاء القبولات - وإن كان قد تم تداركه - لكنه تسبب بالكثير من التأخير
بالتحاق الطلبة بجامعاتهم، وما زالوا يعانون من نتائجه حتى اللحظة، موضحاً أن الكثير
من خريجي اختصاصات معينة جاء قبولهم باختصاصات أخرى، بمعنى؛ خريج إعلام وجد قبوله لدراسة
ماستر هندسة زراعية، وطلبة ماجستير وجدوا قبولهم في الدكتوراه، ما أدى إلى التحاق متأخر
بالجامعات ريثما تم تصحيح أخطاء القبولات، وتالياً، ظل الطلبة متأخرين عن زملائهم،
مما اضطرهم إلى اتباع "كورسات" إضافية للحاق بالطلبة النظاميين، لأن موعد
الامتحان موحّد للجميع.
طالبة دكتوراه قالت:
لماذا لا نستطيع الاعتراض على أي شيء؟ ولماذا يعتبرون اعتراضنا جحوداً؟ بكل تأكيد نحن
نشكر الهند على هذه المنحة، وعلى الفرصة الكبيرة التي قدمتها لنا، لكن هناك الكثير
من الأمور التي يجب مناقشتها وتصحيحها بدءاً من القبولات وانتهاء بالرواتب وتعويض التذكرة
اللتين ذكرتا في ملحق إعلان المنحة ولم نتقاض منهما أي شيء حتى اللحظة. راسلنا السفارة
السورية أكثر من مرة، وهي على علم بالموضوع، لأن القائمين على اتحاد الطلبة في الهند
يقولون لنا إنهم على تواصل دائم مع السفارة لوضعها بآخر المستجدات.
إجراءات روتينية
تواصلت "الأيام"
مع فرع اتحاد الطلبة السوريين في الهند، وطرحت على القائمين عليه أسئلة الطلبة، فبدأ
جواب الاتحاد بالإيضاح حول المنحة بشكل عام وأكدوا أنها جاءت كمساعدة للشعب السوري،
ومن المفروض أن تكون 2000 منحة خلال سنتين، غير أنها لم تكتمل بسبب تغيير الحكومة بالهند
وتبديل وزير التعليم الهندي، مما أثر سلباً على اكتمال العدد وعدم تأمين العدد الكافي
من الطلاب للالتحاق بها، لأن الإعلان عنها جاء متأخراً من قبل الهند، كما أن أسماء
بعض الطلاب سقطت لاختيارهم – عند تقديم الطلبات - جامعات غير مشاركة بالمنحة الهندية،
أو لا تمتلك المقاعد الكافية من اختصاص معين حسب ما علمنا من الجهات الهندية التي تسلمت
كافة الأسماء والطلبات، موضحين أنه بحسب وزارة الموارد البشرية الهندية والسفارة السورية
بالهند، فإن هذه المنحة هي أول منحة تقدمها الهند بهذا العدد لدولة أجنبية، وقد جاءت
بمبادرة من رئيس الوزراء الهندي تجاه سوريا نتيجة جهود مكثفة من قبل السفارة السورية
بالهند
أما بالنسبة للشق
المادي، فقد أوضح الاتحاد أن المنحة تتضمن قسط الجامعة والإقامة وثلاث وجبات طعام يومية،
إضافة إلى مساعدة مالية تبلغ حوالي مئة دولار شهرياً لطلاب الدكتوراه وتقل حسب مستويات
الدراسة، مضيفاً أن طلاب الدفعه الأولى من الطلاب السوريين المشاركين بالمنحة قد تسلموا
المساعدات المخصصة لهم من الجهات الهندية قبل نهاية العام الدراسي، أي نهاية آذار وبداية
نيسان، والسبب هو أن الميزانية الهندية – وبخلاف بقية الدول - يتم الإعلان عنها بنهاية
شهر آذار وليس في مطلع العام، وبالتالي فإن وضع الطلاب الجدد ما يزال قيد الدراسة من
قبل الحكومة الهندية لحين صدور الميزانية.
وفيما يخص تعويض
بطاقات السفر، أوضح الاتحاد أن البطاقات تم تسليمها للحكومة الهندية، وبالتالي التأخير
من جانبها بسبب أعمال قد تكون روتينية وما زالت قيد المتابعة، وبالنسبة لنا كاتحاد،
لا يمكننا أن نفرض على الحكومة الهندية شيئاً، أو التدخل إلا عن طريق الدبلوماسية،
ويمكن لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي في سوريا سؤال السفير الهندي بدمشق عنها
وعن سبب التأخير في ذلك.
وختم الاتحاد رده
بالتأكيد على أن التنسيق مستمر بين السفارة السورية في الهند واتحاد الطلبة من أجل
متابعة وضع الطلبة الدراسي، وقام الاتحاد مع السفارة السورية بعدة جولات على عدد من
الجامعات الهندية حيث يتواجد الطلبة السوريون وذلك بحسب الترتيبات المتعلقة بالسفير،
لأن ذلك يتطلب دعوة وموافقة من الحكومة الهندية، وفي كل جولة يتم اللقاء مع الطلاب
للوقوف على مشاكلهم والعمل على حلها.
أخطاء ستصحح
وبعد رد الاتحاد،
نقلت "الأيام" شكاوى الطلبة إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، والتقت
مدير العلاقات الثقافية، الدكتور عقيل محفوض، الذي أوضح أن معونات أو رواتب المنح التي
تقدم من الدول الأخرى، لا تعطى للطلبة شهرياً، وإنما على دفعتين مرتين في السنة.
ولم ينكر الدكتور
محفوض وجود بعض الأخطاء في المُنح، لكنها ليست أخطاء أو مشاكل غير قابلة للحل، ودوماً
يتم العمل بشكل فوري على تصحيحها، وهذا ما سيحدث بالنسبة للأخطاء والتأخير في تسلم
المستحقات المادية في المنحة الهندية، وسيتسلم الطلبة السوريون أصحاب الشكوى مستحقاتهم
كاملة، وذلك بناء على الاتصالات مع السفارتين الهندية في سورية والسورية في الهند،
مشيراً إلى أنه وبكل الأحوال، لا نستطيع إلا تقديم الشكر لجمهورية الهند على هذه المنحة
الكبيرة للطلبة السوريين وبمختلف الاختصاصات، وبقية الأمور سيتم تداركها حتماً.
لكن، ورغم كل التطمينات
والوعود، ما يزال طلبتنا بلا تعويضات، والأهم.. بلا جواب حاسم يشجعهم على حسم موقفهم
بالعودة أو البقاء.
فراس القاضي - الأيام
|