تفاوتت
الآراء حول أسباب ظهور فيروس «كورونا»، وحول اختلاف منطلقاتها، إيكولوجياً ومخبرياً
وعسكرياً. لم تستطع هذه النظريات أن ينقض بعضها بعضاً ولم تتمكن أيّ منها، حتى على
المستوى العلمي والبحث الطبي، من تفسير السرعة المستجدة لانتشار هذا الوباء الذي لا
ناقل له سوى الإنسان، ولا تأثير له سوى على الإنسان، ولا ينتقل في الهواء، ولكنه في
انتشاره أسرع من ذلك.
بين
تلك الحيرة وهذا الغموض، ساد الذعر حتى في أقوى الرؤوس وأكبرها، وتشوّهت الوقائع وطوّقت
الاقتراحات، وكل من اتّبع خطة مهما كانت أقرّ بخطئه وتراجع. فإن سألنا الصين الآن ماذا
فعلتم، وكيف تمكنتم بحجركم وعزلكم من مواجهة الوباء، لن نجد جواباً رغم كل الأرقام
المثبتة لتوقف الانتشار، ورغم أن عدّاد الإصابات في كل الصين لا يتعدى أصابع اليد وكلها
منسوبة إلى التسلّل الخارجي. وإن سألنا أقوى اقتصادات العالم كيف ينتشر لديكم رغم كل
إجراءات التباعد الاجتماعي وإغلاق المرافق ومحاولات منع التجول ولفترات تتعدّى الأسابيع
فإننا لن نجد جواباً أيضاً.
ولعدم
الاستطراد والإطالة، وجب عليّ أن أوضح أنني، كطبيب يعمل في فحص الكورونا وغيره من الأوبئة،
وأقرّ وأصرح أمام كل من يسألني لماذا لا أضع كمامة، بأنه لا يمكن لأحد أن ينقل العدوى
إلا لنفسه وبيده، وإن لم تلمس وجهك قبل أن تغسل يديك فأنت بأمان. هذه القناعة ثابتة
بحسب البيانات والأرقام التي أدرسها يومياً.
لكن،
استوقفني تصريح الجرّاح العام
“The Surgeon General” في الولايات المتحدة. فبعد صمت طويل قال مختصراً
الموقف: «إن انتشار هذا الوباء لا يقتصر على العطس والسعال بل بالتكلّم أيضاً»، وهذا
يتناقض وقناعتي بأن «الشخص لا يعدي إلا نفسه». لكن سريعاً ما تبينت أن هاتفي المحمول
بيدي وأنه الناقل. قلت له: لقد سبقتني أينما ذهبت، وتخطيت أمامي كل مراكز التفتيش والفحوصات
والتعقيم. في الطائرة الكل منهمك باستعمالك فإن زفر أو عطس أو حكى فأنت المتلقي ولا
أحد يسأل عن حرارتك أو تعرضك لشخص في مرحلة حضانة مرضية، وتدخل كل الأمكنة المحظورة
من دون حاجة إلى حجر وتعقيم.
إنني
متأكد أن الجراح العام في الولايات المتحدة سيوافق على هذا الحوار، والصين ستعيد دراسة
مراحل الاحتواء في يوهان ليس على أساس التباعد الاجتماعي، بل على أساس تأثير قطع التواصل
مع الخارج في مرحلة الاحتواء وانقطاع استعمال الجوال وأثره على الحد من الانتشار في
دائرة شبكة الهاتف العملاقة «هواوي».
فهل
يبدأ تعقيم الهواتف وعدم إدخالها أماكن العمل؟ وهل تمنع استعمال سماعات الهواتف والكمامات
والنظارات إذا أمكن وكل ما يساعد على وضع اليد أقرب إلى الوجه؟ وهل سيصمت الإعلام ويخفي
ميكروفونات الوباء؟ وهل يقف غسل الدواليب والأحذية وإلخ؟ فهل سنخرج قريباً من دون جوال
إلى المدرسة والعمل، ونسافر كما سلف ونلقي التحية على الهاتف الثابت بأمان.
الهاتف
الجوّال، هو الذي ينقل العدوى بأسرع من الهواء، وننشر به الكورونا حتى لو لم نُصَب.
*
جود حيدر -اختصاصي مختبرات وأوبئة
|