خُصخصت كلّيات كالطبّ والصيدلة في الجامعات الحكومية بعنوان «مصاريف إضافية»
سيرياستيبس : يعمل عبد الفتاح السيسي، منذ سنوات، على تخصيص التعليم في مصر،
ولا سيما الجامعي منه. اتّخذ الرجل خطوات من شأنها القضاء، في نهاية
المطاف، على الطابع المجّاني الذي رسّخه جمال عبد الناصر منذ ستينيات القرن
الماضي، ليتحوّل التعليم إلى الأثرياء فقط!
القاهرة | على رغم أن
بداية التحرّك لخصخصة التعليم في مصر ترجع إلى أواخر عهد الرئيس الراحل
محمد حسني مبارك، حينما استُحدثت أنظمة خاصة لمصاريف إضافية في المراحل
الجامعية، فإن نظام عبد الفتاح السيسي حَقّق خلال السنوات الستّ الماضية ما
لم يُحقّقه أيّ رئيس في الإلغاء التدريجي لمجّانية التعليم، حتى
للمتفوّقين من خرّيجي الثانوية العامة الراغبين في الالتحاق بالجامعات،
فضلاً عن أن فئة كبيرة من الأقسام المهمّة والمميزة في كلّيات الطبّ
والصيدلة والأسنان تحوّلت إلى أقسام تُكلّف أكثر من ستة آلاف دولار أميركي
داخل الجامعات الحكومية.
في
مقالة لسكرتير عبد الناصر، سامي شرف، نشرها أخيراً في صحيفة «المصري
اليوم»، تَحدّث عن «خطورة تسعير التعليم وتحويله من مجّاني كما قرّر عبد
الناصر بعد ثورة 1952، ليكون مجّانياً بالاسم كما كان في أواخر عهد
الملكية». وفق مصادر مطّلعة، فإن عملية التحويل هذه تسير وفق منهجية
معتمَدة لدى الدولة، وخاصة مع تجاهل الأخيرة تحسين جودة التعليم الحكومي
المدعوم، مقابل التوسّع في دعم التعليم الخاص والدولي. كذلك، أدخلت برامج
تعليم مختلفة وجديدة، بداية من المدارس اليابانية التي افتُتحت بالشراكة مع
طوكيو وبدعم حكومي، لتكون مصاريفها في العام أكثر من 600 دولار، وهو رقم
ضخم مقارنة بدخل الأسر المصرية، مروراً بالجامعات الخاصة التي جرى التوسّع
فيها وزيادة أعداد كلياتها لاستيعاب أعداد أكبر من طلّاب المرحلة الثانوية،
وصولاً إلى إنشاء الجامعات الأهلية التي ستبدأ الدراسة فيها العام الدراسي
الجديد. اختار السيسي توسيع التعليم الجامعي المدفوع، كمرحلة أولى ضمن
سياسة التخلّي التدريجي عن دور الدولة في دعم الدراسة في المراحل الجامعية.
صحيح أن شعار الجامعات الأهلية يتمحور حول كونها غير هادفة إلى الربح،
وتعمل على تحسين جودة التعليم عبر برامج شراكة تبرمها مع الجامعات الدولية
للحصول على شهادات مزدوجة للخرّيجين في البرامج التي تتيحها، لكن المفارقة
تتمثّل في مصاريفها، والتي تتراوح ما بين أربعة آلاف وسبعة آلاف دولار، وهي
رسوم الدراسة لعام واحد من دون الإقامة في الجامعة أو أيّ مصاريف أخرى، مع
الأخذ في الاعتبار أن غالبية تلك الجامعات تقع في مناطق صحراوية، ويفترض
أن يقيم الطالب بالقرب منها بتكلفة ستقترب من كلفة الدراسة نفسها، وخاصة مع
تقديم مستوى إقامة فندقي. هكذا، باتت مصاريف الجامعات الأهلية، التي
اعتمدها الرئيس لتكون نظاماً للتعليم المتميّز وبديلاً من الجامعات
الحكومية مستقبلاً، تتجاوز مصاريف الجامعات الخاصة التي كانت الأسر
المتوسّطة تحاول إلحاق أبنائها بها في حال عدم تمكّنهم من دخول الجامعات
الحكومية بسبب فارق المجموع. في مقابل إهمال الجامعات الحكوميّة، يتواصل التوسّع في الجامعات الأهليّة من
المفارقات، أيضاً، سعي السيسي إلى إنجاز بروتوكولات تعاون مع الجامعات
الدولية عبر الجامعات الأهلية، بوصف ذلك مشروعاً استثمارياً في المقام
الأول وليس لتحسين جودة التعليم كما يروّج المستوى الرسمي؛ إذ إن الهدف
الرئيس من هذا المشروع استقطاب أكثر من 20 ألفاً يدرسون في الخارج بكلفة
تصل إلى نحو 600 مليون دولار، وهو رقم يرغب الرئيس في أن يُدفع داخل البلد
لا خارجها. كذلك، يريد السيسي استقطاب فئات كبيرة من المصريين المغتربين،
وحتى من العرب، لكي يدرسوا في هذه الجامعات، حيث يُمنحون تسهيلات تجعل
الرسوم بالنسبة إليهم أقلّ بكثير مما هي في أماكن أخرى، وينالون شهادات
معادلة من الجامعات الأجنبية. وهذا ما بدأ التسويق له بصورة كبيرة عبر
وزارة التعليم العالي أو حتى وزارة الهجرة، التي تعمل على جذب أبناء
المقيمين في الخارج للدراسة داخل «الأهلية»، التي ستوفّر دراسة من بعد مع
أسماء كبيرة في عالم التدريس، كلٌّ في تخصصه. والجدير ذكره، هنا، أن إقبال
الأسر الأعلى دخلاً على إلحاق أبنائها بالجامعات الجديدة، شَجّع السيسي على
تدشين ثلاث أخريات، بخلاف الثلاث التي ستبدأ الدراسة فيها الشهر المقبل،
وكذلك الرابعة التي يفترض تدشين الدراسة فيها عام 2021، ليصبح هناك سبع
جامعات أهلية في مواقع مختلفة. وفي مقابلها، يبدو التوسّع في الجامعات
الحكومية قائماً نظرياً، لكن مع قيود غير مسبوقة وغياب الاهتمام بالجودة
والنظام، وهو ما ظهر في قرار إنشاء كلية الطب في جامعة الزقازيق من دون
مستشفى جامعي، إضافة إلى التوسّع في كليات الإعلام والسياسة والاقتصاد من
دون عدد كافٍ في هيئة التدريس. وتشهد الجامعات الحكومية، ولا سيما
القاهرة والإسكندرية وعين شمس بصفتها أكبر الجامعات في الأعداد، زيادة غير
منطقية في رسوم البرامج الخاصة المرتبطة بسوق العمل، ما يحرم فئات عدّة من
الالتحاق بها. كما زادت رسوم الماجستير والدكتوراه والدبلومات بنسب تتراوح
ما بين 100% و500% خلال السنوات الثلاث الماضية. زياداتٌ عادت بأرباح كبيرة
على الجامعات، لكن الأخيرة لم تستغلّها لتحسين خدماتها. وبينما يستمرّ
التوسّع غير المسبوق في الأقسام الخاصة، بدأت كلّ جامعة الإعداد لرسوم
الرسوب التي ستُفرض على كلّ طالب يرسب في مادة دراسية وفق قرارات المجلس
الأعلى للجامعات، لتأكيد أن هناك فرصة واحدة من أجل النجاح، وبعدها يتحمّل
الطالب كلفة تعليمه، في خطوة ستؤدي إلى تراجع الإقبال على التعليم الجامعي
لدى الفئات الأقلّ دخلاً، ولا سيما مع اضطرار الآلاف من هؤلاء إلى العمل
لمساعدة ذويهم جرّاء ارتفاع مصاريف المعيشة بصورة غير مسبوقة.
الاخبار
|