سيريا ستيبس – علي محمود جديد
لم يشبع الأمريكان بعد من نهمهم للعقوبات الإجرامية التي يفرضونها على
سورية، ولا من ذلك الإرهاب الاقتصادي المجنون وغير المسبوق في العلاقات بين الدول،
ضاربين بعرض الحائط كل المبادئ والقيم الدولية والإنسانية، إذ لم يكتفوا بقانون
قيصر الذي فرض
عقوبات على كل من يقدم دعما ماليا وتقنيا وماديا للحكومة السورية أو شخصية سياسية
عليا في الحكومة، والدعم المالي يشمل توفير القروض وائتمانات التصدير.
وبالنسبة للنفط ومصادر الطاقة، نص
القانون على فرض عقوبات على كل من يعمد إلى توفير السلع أو الخدمات أو التكنولوجيا
أو المعلومات أو أي دعم من شأنه توسيع الإنتاج المحلي في مجال الغاز الطبيعي
والنفط والمشتقات النفطية. وفي مسألة إعادة الإعمار، وينص "قانون قيصر"
على ردع الأجانب عن إبرام العقود المتعلقة بإعادة الإعمار.
ولكن ما حقيقة أهداف قانون قيصر ..؟
إمعاناً في إظهار الحقيقة، والمراد الفعلي من هذا القانون الذي يأتي
تحت ستار ( حماية المدنيين ) كتغطية مفضوحة قالت محطة / بي بي سي / البريطانية يوم
دخوله حيز التنفيذ في 17 حزيران الماضي :
إن الهدف من قانون قيصر أو سيزر هو حرمان الرئيس السوري بشار الأسد من أي
فرصة لتحويل النصر العسكري الذي حققه على الأرض إلى رأسمال سياسي .. !!
وقالت : إن تجربة السنوات الماضية أظهرت أن الأسد لم يرضخ للضغوط الخارجية ولم
يقدم تنازلات سياسية. كما أنه لم يقدم أي تنازل لخصومه ومعارضيه في الداخل والخارج
حتى عندما كانت المعارضة المسلحة تطرق أبواب دمشق فما بالك عندما باتت هذه
المعارضة في جزر شبه نائية تفيض بالمهجرين في أقصى الشمال وتعيش تحت الحماية
والرعاية التركية.
وتتباهى ألـ / بي بي سي / بأن لا الآلة
العسكرية الروسية ( المدمرة ) ولا المقاتلون الذين جندتهم إيران
قادرون الآن على مساعدته في أزمته الجديدة، حيث يواجه حالياً أزمة غير معهودة،
أزمة لا علاقة لها بالمعارضة أو بالإصلاح السياسي أو أي شيء من هذا القبيل بل
بلقمة العيش >
فشل قيصر
إذن كل المعاناة التي نعيشها اليوم،
والأزمات الخانقة التي نعاني منها هي بالفعل مصطنعة ومتعمدة قصداً موصوفاً من
القوى الأمريكية والغربية، غير أنها لم تستطع أن تطال أهدافها، ولذلك ليس صحيحاً
أن سوء الإدارة الحكومية قد أدت إلى هذه الأزمات، ففي الحقيقة ليس للحكومة أي دور
بإحداثها، لأنها نتاج ( الحضارة ) الغربية والأمريكية، بحصارها وقذارتها وعقوباتها
التي تنهال على البلاد من كل حدبٍ وصوب.
ولكن خلوّ ساحة الحكومة من ( إحداث )
هذه الأزمات، لا يعني تبرئتها من التقاعس أو عدم القدرة أو ربما يكون الأرجح عدم
النيّة باتخاذ إجراءات فعّالة للتعاطي بكفاءة وحنكة أكبر مع تلك الأزمات وإيجاد
طرق خلاّقة لتجاوزها الأمر الذي كان قد زاد من قانون قيصر فشلاً وتعطيلاً.
قد لا يتفق معنا الكثيرون بأن قانون
قيصر قد فشل، ولكن في الحقيقة هو كذلك، وكان الفشل ذريعاً، على الرغم من المصاعب
الشديدة التي أحدثها تطبيقه، فإنه كان فاشلاً في تحقيق أهدافه، الذي لم يستطع أن
يحقق أي واحدة منها، ولكن المؤسف في الصلف الأمريكي أنهم لا يحاولون مراجعة
حساباتهم فيما إن كانوا أخطأوا أم لا، وإنما يتمادون في الخطأ حتى وإن عرفوا الحق،
فالمال الصهيوني سلب عقولهم، ولا يريدون أن يعرفوا شيئاً سوى إرضاء أرباب ذلك
المال الذين يعتبرون سورية خطراً على الكيان الصهيوني وبالتالي لا بد لها من تغيير
سياساتها تجاه الصراع العربي الإسرائيلي برمته – هذا إن كان ما يزال عربياً –
وخضوعها للإرادات الأمريكية والغربية، وهذا لن يحصل طبعاً، وهم يدركون ذلك، فكان
لا بد من التصعيد، حيث يعتزم الجمهوريون وقبل انتهاء ولاية دونالد ترامب المهزوم
اصدار قرار جديد ضد سورية، يقولون بأنه أقوى واشد من قانون قيصر الظالم الذي تسبب
بالكثير من المتاعب للشعب السوري ويمنع عودة العلاقات الأمريكية السورية في عهد
بايدن.
ويفرض مشروع القانون عقوبات قاسية على
الشعب السوري عبر فرض الحظر على المصارف السورية التي لها علاقة في لبنان والأردن
والخليج والصين وأي دولة أجنبية أخرى، كما يخول مشروع القرار، الرئيس الأمريكي
بإنشاء مناطق اقتصادية في سورية تسيطر عليها قوات أجنبية محتلة لتنشيط اقتصاد
المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة والسماح لها بإنشاء علاقات تجاريّة مع الولايات
المتحدة الأميركية وغيرها من دول العالم، وذلك لتسهيل سرقة النفط السوري.
ورأت قناة العالم أنه على الرغم من
اشتداد صعوبة الاوضاع على الشعب السوري فمن المؤكد ان تلك العقوبات ستسبق مثيلاتها
في الفشل فسورية التي قاتلت وصمدت وانتصرت، واستطاعت ان تتجاوز ابعاد الحرب
الارهابية الدولية عليها قادرة بمعادلة الصمود تلك ان تتخطى أي عقبة بوحدة قيادتها
وشعبها وجيشها.
وما الذي علينا فعله ..؟
الذي لا شك فيه أن الحكومة والقيادة
السورية بشكل عام نجحت في إفشال قانون قيصر وتعطيل الأهداف المرسومة من خلاله رغم
كل الصعوبات، وقد تمثل هذا النجاح بالبراعة في الالتفاف على الحصار والعقوبات،
فعلى الرغم من كل شيء استطعنا بالنهاية تأمين القمح والمشتقات النفطية، وهما من
الأساسيات الهامة جداً، الأمر الذي يؤكد أن سورية ليست وحدها في الميدان، ولن تبقى
وحدها، ولا تراجع عن السيادة الوطنية واستقلال القرار، ولكن ما الذي يمكن للحكومة
أن تفعله من الداخل ..؟
في الحقيقة بمقدار ما هي بارعة بالأمور
الخارجية وتجاوز الصعوبات بما يمكنها من ترتيب حضور احتياجات البلاد، فإن بإمكانها
أن تكون أكثر براعة في ترتيب البيت الداخلي، والامعان أكثر في زيادة الاعتماد على
الذات، واستثمار الفرص الممكنة، إذ فالكثير من الطاقات المتاحة ما تزال كامنة
وعلينا استخراجها واستثمارها إلى أبعد الحدود، ولكن كيف ..؟ هذا ما سوف نتناوله في
المادة الصحفية القادمة.
|